إيران تتجه لتكون مركزاً عالمياً للغاز
علي اليوسف
وفق بعض الدراسات المتعلقة بالطاقة، سيكون القرن الحالي قرن الغاز الطبيعي، كما كان القرن العشرون قرن النفط. ومع نمو الطلب على الغاز بدأ منتجوه يتجهون إلى ايجاد إطار يجمعهم ويحمي مصالحهم، فهل يشهد العالم نشوء “أوبك الغاز” كما يسميها البعض؟.
منذ أيام، بدأت مخرجات المصالحة الإيرانية- السعودية بالظهور للعلن، وتحديداً في موضوع الغاز المسال الذي سيكون قبلة العالم بعد النفط. هذا الموضوع يأخذ الحيّز الأكبر في التفكير الاستراتيجي لمستقبل الطاقة في المنطقة بعد الاهتزازات التي أصابته نتيجة الحرب في أوكرانيا، وانقطاع سلاسل التوريد عن معظم دول العالم، وهو الأمر الذي فتح الباب عريضاً لتحالفات ومشاريع جديدة تسدّ الثغرة التي افتعلتها الولايات المتحدة على المستوى العالمي.
مؤخراً صرّح وزير النفط الإيراني جواد عوجي، أن إيران، بمشاركة روسيا وتركمانستان، تسعى إلى إنشاء مركز للغاز في منطقة “عسلوية” الصناعية في محافظة بوشهر جنوبي إيران، الواقعة على شواطئ الخليج العربي. وبحسب الوزير، يقدّر احتياطي الغاز القابل للاستخراج 33 تريليون متر مكعب، ما يؤهل إيران لتحتلّ المرتبة الثانية في العالم من حيث احتياطي هذا المورد.
حتى الآن، لم يذكر أي شيء عن تفاصيل المشروع، لكن ما هو واضح أنه يجري حالياً تنفيذ الاستعدادات والتخطيط اللازم، ومن بين تلك الاستعدادات المناقشاتُ الجاريةُ بين إيران وروسيا لتطوير 10 حقول نفط وغاز جديدة في الجمهورية الإسلامية، والسؤال هنا هل تتحول إيران إلى مركز عالمي للغاز؟.
خلال العام الماضي، عزّزت موسكو وطهران تعاونهما في مجال الطاقة بشكل كبير، ففي حزيران 2022، وقعت شركة “غازبروم”، والشركة الوطنية الإيرانية للنفط مذكرة تفاهم بشأن استثمارات بقيمة 40 مليار دولار في قطاع النفط والغاز الإيراني، حيث ربط بعض الخبراء الإيرانيين جدوى التعاون مع روسيا بشراء الغاز الروسي بأسعار منخفضة وإعادة تصديره، الأمر الذي من شأنه أن يحوّل إيران في المستقبل إلى مركز رئيسي للطاقة.
هذا الهدف ليس بعيد المنال، إذ تشير أهداف خطة التنمية لمدة 20 عاماً إلى أن إيران ستمثّل 10% من تجارة الغاز الطبيعي العالمية بحلول عام 2025، وبموجب خطة التنمية السادسة (2016-2021) ووثيقة الرؤية التنموية، بحسب الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية، محسن خوجاشمهر، من المخطّط زيادة إنتاج البلاد من الغاز بمقدار 500 مليون متر مكعب بحلول عام 2028، منها 120 مليون متر مكعب تتعلق بتطوير حقل “كيش”.
يُذكر أن حقل “بارس” الجنوبي يعدّ أكبر حقل غاز في العالم، ويحتوي على نصف احتياطي الغاز في ايران، و 70% من إنتاج الغاز في البلاد مرتبط بهذا الحقل. كما تمتلك طهران 60 حقل غاز طبيعي في البلاد، طُوِّرَ 47 أو 48 منها وهي قيد التشغيل، بينما ما يزال الباقي غير مطوَّر. وسيدعم حقل غاز “كيش”، الذي يتمتّع بقدرة عالية في الإنتاج، عند تطويره قدرة إنتاج الغاز.
مكاسب سياسية
في عام 2021 أبرمت إيران اتفاقية تبادل للغاز مع تركمانستان وأذربيجان على هامش قمة منظمة التعاون الاقتصادي، ووفقاً للاتفاقية، تمّ استيراد 1.5- 2 مليار متر مكعب من الغاز إلى إيران سنوياً من تركمانستان، وتم إرسالها إلى أذربيجان عبر شبكة خطوط نقل إيرانية. وأمام هذه الاتفاقية، بالإضافة إلى ما يتمّ الاستعداد له، من الطبيعي أن تكون إيران المورد الرئيسي للغاز في آسيا الوسطى، وهذا يعني أن رسالة سياسية مهمة تكمن في صميم هذه الاتفاقية، ويُمكن أن تفي بخطة إيران لتصبح مركزاً للغاز في المنطقة.
تُظهر الخرائط التي قدّمتها وسائل الإعلام الإيرانية كيف يُمكن لإيران أن تكون جزءاً من خطوط أنابيب الغاز وطرق العبور المختلفة، التي من شأنها أن تتخذ نهجاً جنوبياً عبر إيران. ووفقاً لخط الأنابيب، تربط شبكة الغاز التركمانية بحر قزوين بأذربيجان، وهي مصمّمة لنقل موارد الغاز الهائلة في آسيا الوسطى إلى أسواق الطاقة الأوروبية عبر ممر الغاز الجنوبي، ومن هذا المنظور، فإن الموضوع ليس مجرد نقل عدة ملايين متر مكعب، لأن هذه الاتفاقية تعتبر خطوة إلى الأمام لتغيير معادلات سوق الغاز الإقليمي.
النفط والغاز لـ 100 عام مقبلة
إن تغيير معادلات سوق الغاز ليس ضرباً من الخيال، وخاصةً إذا تمّ أخذ تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية، محسن خوجاشهمر، الذي أكد في أكثر من مناسبة أن طهران مُصمّمة على تنفيذ عمليات استكشاف احتياطيات البلاد والحفاظ عليها، وأنّ طهران من الممكن أن تُنتج النفط والغاز على مدى المئة عام المقبلة، وذلك بفضل احتياطياتها الحالية. وهنا يمكن الربط بين العقوبات الأمريكية والغربية بأن سببها الرئيسي هو ثروات إيران الغنية بالنفط والغاز، لكن ما دامت إيران لا تكترث لتلك العقوبات، ومن خلال توقيع مجموعة من الاتفاقيات مع روسيا على تطوير حقول نفط جديدة في إيران، فهذا يعني أن العقوبات الغربية ليس لها أي تأثير، وأن إيران ماضية بتطوير ثرواتها الباطنية، وهو ما أعلنت عنه معاهد الأبحاث الأميركية، في وقتٍ سابق، أنّ إيران تقوم بإنشاء نحو 1900 كم من خطوط أنابيب النفط، مُحتلة المرتبة الأولى في العالم في هذا الصدد على الرغم من إجراءات الحظر المفروضة عليها.
من هنا فإن تحول إيران إلى مركز للغاز مرشح ليكون مركزاً عالمياً كون الدول المشاركة تمتلك أكثر من 50% من إجمالي الاحتياطي العالمي، كما أن مركزاً للغاز مثل هذا له آفاق كبيرة، ويمكن أن يؤدي لتشكيل تحالف بين الدول على غرار “أوبك”. وما يعزز هذه الفرضية أنه وفقاً لـ”كتاب حقائق العالم” للعام 2009، فإن إنتاج العالم من الغاز الطبيعي بلغ نحو 3 تريليونات من الأمتار المكعبة تتقاسمها عشر دول، لكن استناداً إلى المرجع نفسه، يبلغ الاحتياط العالمي المؤكد من الغاز نحو 170 تريليوناً و400 مليار م3، وتتصدّر روسيا الاتحادية دول العالم باحتياط يبلغ نحو 44 تريليوناً و650 مليار متر مكعب، تليها إيران باحتياط يبلغ 26 تريليوناً و850 مليار م3، ما يعني بالضرورة أن المركز المزمع إنشاؤه سيكون واقعاً جديداً.