أسعار واقعية وأجور خيالية..!!
علي عبود
لا يمكن لوم أصحاب مطاعم ومحال الأكلات الشعبية برفع أسعارهم بنسب تتراوح بين 40% – 50%، فاللوم الوحيد يقع على من رفع أسعار الغاز الصناعي، غير مكترث بما سيخلفه قراره على أسعار الوجبات التي بالكاد هي متيسرة لملايين العاملين بأجر. ولم يعد مستغرباً أن تتجاهل اللجنة الاقتصادية، في كلّ مرة ترفع فيها أسعار حوامل الطاقة، الإجابة عن سؤال واحد فقط: هل دخل ملايين الأسر السورية يقوى على زيادة أسعار أكلاتها الشعبية التي تتضاءل كمياتها شهراً بعد شهر، بعد أي رفع لسعر الغاز أو الكهرباء أو المازوت؟!
لقد لفتنا جداً وصف رئيس جمعية المطاعم كمال النابلسي تعديل أسعار المأكولات الشعبية بنسب لا تقلّ عن 40% بأنها واقعية، لكنه تجاهل بدوره الإجابة عن سؤال: واقعية.. لمن؟
ما يهمّ رئيس الجمعية أولاً وأخيراً الدفاع عن مصالح أصحاب مطاعم ومحال الأكلات الشعبية، وهذا أمر جيد لهم، لأن وزارة التجارة الداخلية تستجيب دائماً لمطالب من يُسوّق السلع والخدمات للمستهلكين من منطلق أن ما من مُنتج سيبيع بأقل من الكلفة مع هامش قليل أو فاحش من الربح.
وبالمقابل، فإن التنظيم العمالي بدوره يدافع ويتقدم باقتراحات لمصلحة ملايين العاملين بأجر، لكن الحصيلة دائماً سيئة لأن ما من جهة حكومية، وتحديداً اللجنة الاقتصادية، تستجيب لاقتراحاته أو تسمع أجراسه التي يقرعها عالياً: أجور عمالنا لا تكفيهم سوى ليوم واحد!!
المعادلة اليوم وصلت إلى نقيضين: الأسعار واقعية.. والأجور خيالية!!.
وتتسع الهوة بين الأسعار والأجور يوماً بعد يوم إلى حدّ أن الأسرة لم تعد قادرة على شراء ما يكفيها لمدة شهر من أرخص أكلة شعبية وهي الفلافل.
حسب رئيس الجمعية فإن الأسعار الجديدة لن “تحمّل المواطن أعباءً كبيرة، فهي مناسبة لواقع تكاليف تحضير كل صنف من أصناف المأكولات الشعبية بدءاً بقرص الفلافل وانتهاءً ببقية الأصناف”!
رئيسُ الجمعية صادق تماماً، فهو بالتأكيد من أصحاب المطاعم أو محال الأكلات الشعبية، أي لن يعاني إطلاقاً من تأمين كميات كافية منها لأسرته يومياً مهما ارتفعت أسعارها، وحاله يشبه تماماً حال اللجنة الاقتصادية، فآخر اهتماماتها عند اتخاذ القرارات برفع الأسعار مدى تأثيرها الكارثي على ملايين العاملين بأجر!.
وإليكم مثال على الآثار الكارثية لأسرة من أربعة أشخاص لم يبق أمامها ما يسدّ جوعها سوى الفلافل:
لا يقلّ سعر أرخص سندويشة فلافل بعد صدور التسعيرة الجديدة للغاز الصناعي عن 3000 ليرة، فإذا اكتفى الفرد الواحد بسندويشتين فقط يومياً، فهذا يعني أن دخل الأسرة يجب ألا يقلّ عن 720 ألف ليرة شهرياً، أي أننا أمام دخل خيالي غير متوفر لأي أسرة حتى لو كان جميع أفرادها يعملون ويتقاضون السقف الأعلى للأجر!!
وإذا أضفنا إلى وجبة الفلافل أجور النقل وفواتير الخدمات الأساسية فإننا أمام مشهد لا يمكن وصفه سوى بالسريالي، ويفسّر لنا أسباب انتشار الفساد الصغير، والمظاهر الخطيرة غير المسبوقة في مجتمعنا كالسرقات والتسول الوقح لدى غالبية شرائح كبيرة من لا يكفيهم دخلهم لتأمين وجبة غذائية واحدة في اليوم من الأكلات الأقل سعراً يومياً!
الخلاصة: ليس جائزاً أن تؤكد وزارة المالية أن مواردها لا تكفي لزيادة الأجور بما يكفي الحدّ الأدنى لمتطلبات المعيشة وفق نص دستوري في منتهى الصراحة والوضوح، فمن واجب الحكومة أن تخصّص عدة جلسات يكون محورها الإجابة عن السؤال: ما آليات رفع القدرة الشرائية لملايين الأسر السورية كي تتمكّن من تأمين مستلزمات عيشها الكريم؟
وهذه المهمّة، أي تأمين دخل كافٍ للجميع، والتي يجب أن تنجح بها الحكومة عاجلاً، وليس آجلاً، ليست منّة أو دعماً للأسرة السورية، كما تزعم بعض الجهات الحكومية، بل هي حقّ دستوري لكل مواطن.