“البعث” في عيدها 77.. معلم بارز في الساحة الإعلامية
د. معن منيف سليمان
شغلت صحيفة “البعث” منذ صدورها الأول في الثالث من تموز عام 1946، دوراً أساساً في الدفاع عن حقوق الأمة العربية، وقضاياها الكبرى، وإظهار الحقيقة التي برعت وسائل الإعلام المعادية في طمس بعض جوانبها. كما أسهمت الصحيفة في نشر الوعي بقضايا العرب، والدعوة إلى إحياء الروح القومية العربية بمفهومها الحضاري بين أبناء الأمة، فكانت الصوت الأقوى في الساحة العربية، لأنها مثّلت تطلعات الجماهير في رفض الواقع، ورسم آفاق المستقبل العربي الجديد.
وتجلّت قوة “البعث” في ابتعادها عن الحزبية الضيّقة، ومحاربتها النزعات الإقليمية والقطرية، وفي التصاقها بالقضايا القومية، ومحاكاتها لهموم الإنسان العربي وطموحاته في بناء المجتمع العربي الموحّد الذي تسوده العدالة، وكانت المدافع عن قضايا الإنسان وقضايا الشعوب في كل مكان، كما حافظت على الدوام على قدسية الكلمة وشرف الحقيقة، وترفّعت بشكلها ومضمونها عن صغائر الأمور وسفاسفها، ونالت بذلك مكانة محترمة ومرموقة لدى القارئ، وذاع صيتها في الأوساط الصحفية والإعلامية.
وكان صدور صحيفة “البعث” عام 1946 نقلة نوعية وحدثاً مهماً في مسيرة البعث، إذ أصبح للحزب منبره وصوته المدوي، وبدأ من خلال الصحيفة نشر أفكاره ومواقفه، وبذلك شغلت صحيفة “البعث” دوراً كبيراً في التهيئة للمؤتمر التأسيسي الأول الذي كان نهاية لمرحلة النشوء والتأسيس، وبداية لمرحلة الانطلاق.
لقد كانت الصحيفة منذ البدايات منبراً لطرح هموم وتطلعات الجماهير العربية، متبنيةً قضاياها، حيث دافعت عن قضية فلسطين، قضية العرب الأولى، ونشرت التحقيقات عن حرب 1948، وتخاذل الحكومات العربية آنذاك، فعُطّلت الصحيفة في عهد حسني الزعيم، وعادت إلى الظهور بعد سقوطه.
وفي عام 1950 – 1951، فضحت المشاريع الاستعمارية ضد استقلال سورية، وناضلت من أجل وضع دستور جديد للبلاد يعكس إرادة الشعب العربي في سورية، كما حاربت الشركات الاستعمارية، ودعت إلى تأميم الريجي “إدارة حصر التبغ والتنباك”، ودعت إلى تأميم جميع المصالح الأجنبية في سورية، كمؤسّسة الكهرباء والسكك الحديدية، وقد توقفت عن الصدور في ظل أديب الشيشكلي بين 1952- 1954، وعادت إلى الظهور بصورة منتظمة في نيسان 1956.
دافعت الصحيفة عن ثورة الجزائر، ودعت إلى وحدة سورية ومصر منذ عام 1956، وحاربت حلف بغداد والمؤامرات على سورية والعدوان الثلاثي على مصر ومشروع أيزنهاور. وبعد إجهاض تجربة الوحدة عام 1961، قاومت الانفصال بضراوة داعية إلى إعادة الوحدة على أسس جديدة، ولذلك، لا غرابة إن تعرّضت للمصادرة مرات عديدة، قبل أن تستقر أوضاعها بعد ثورة الثامن من آذار عام 1963، كمؤسسة صحفية متكاملة.
وفي 9/ 11/ 1969، صدر المرسوم 273 الذي نصّ على إحداث “دار البعث للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع”، وسُجلت ملكيتها باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، بادئةً مرحلة جديدة في عملها الإعلامي، أخذت أبعادها بعد قيام الحركة التصحيحية. وفي عام 1971، قدم اتحاد الصحفيين العالمي لصحيفة “البعث” ميدالية ذهبية وشهادة تقدير، لالتزام الجريدة بقضايا الجماهير ووقوفها المشرّف إلى جانب قضايا التحرير العالمية.
ومن المحطات المهمّة في تاريخ صحيفة “البعث”، إرساء القائد المؤسّس حافظ الأسد يوم السابع من نيسان عام 1975، وفي الذكرى الثامنة والعشرين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، حجر الأساس لبناء “دار البعث”. وبتدشين القائد المؤسّس لمبنى دار البعث عام 1980، بدا واضحاً أن حلماً كبيراً قد تحقق في سعيها لأداء رسالتها، وتفخر صحيفة “البعث”، وتعتز بالافتتاحيتين اللتين خصّ بهما القائد المؤسّس صحيفة البعث، وكانت أولاهما في الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في 7 نيسان من عام 1972، فيما كانت الثانية في السابع من نيسان من عام 1997، في الذكرى الخمسين لتأسيس الحزب.
اليوم تقف “البعث” معلماً بارزاً في الساحة الإعلامية والثقافية العربية، بما تنهض به من دور وما تقوم به من مهام، فهي باشرت بقفزة جديدة تطويراً لأدائها ليواكب المتغيّرات والإيقاع المتسارع الذي فرضته ثورة المعلومات والاتصالات، بما حملته من تنافسية شديدة يفرضها التطور المتصاعد للإعلام الذي بات سمة العصر، والذي يتجسّد في الصحافة الإلكترونية والفضائيات واسعة الانتشار، مدركة حجم المسؤولية التي تحملها، وعبء النهوض برسالة ارتضتها لنفسها منذ لحظة ولادتها، وهي مصرّة على حمل مشعل الأمل الذي ينير الطريق لغدٍ مشرق، انطلاقاً من الإدراك أن الإعلام وسيلة ناجعة في تطوير المجتمع وتغييره نحو الأفضل.
وسعت دار البعث جاهدة إلى تطوير وسائلها الإعلامية لتواكب التطور السريع في الإعلام الرقمي والالكتروني، إذ رفدت موقع صحيفة البعث الأم بعدة وسائل إعلامية (موقع البعث ميديا، عام 2009، وموقع “البعث أون لاين”، و”تلفزيون البعث”، 2019، ونسخة الـ PDF اليومية)، إضافة إلى إصدار “البعث الأسبوعية” المجلة الورقية الوحيدة في عالم الصحافة السورية حالياً ،علماً أن تجربة دار البعث مع إصدار المجلات بدأت عام 2010، مع إصدار مجلتي ضفاف وصدى الأسواق، ومن ثم إصدار صحيفة الجبل في محافظة السويداء في عام 2014، وقد حققت حضوراً مميزاً كونها الوحيدة في المحافظة لكنها توقفت عام 2015.
ورغم ظروف الأزمة والتحديات الصعبة إصدرت الدار صحيفة الشهباء في حلب عام 2018 والتي كانت غنية بالمقالات والطروحات.
ومن منطلق المسؤولية الوطنية للإعلام الحزبي وانخراطه مع شعبنا وحزبنا وبغض النظر عن الجدوى الاقتصادية لاتزال الدار تبذل جهوداً كبيرة لتطوير وسائلها الإعلامية المتنوعة والمتفردة بمواضيع مميزة تحقق حضوراً وتواجداً على الساحة الإعلامية، لتبقى دار البعث معلماً وطنياً وحزبياً متميزاً في المنشود من الإعلام الرسمي في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ وطننا وأمتنا.