مهرجان موسيقا الباروك الرابع في دار الأوبرا.. و”عازفو دمشق” بتنوع أكبر
ملده شويكاني
متتالية “مملكة الجن” للمؤلف هنري بورسيل التي تعدّ جزءاً من الأوبرا، عزفتها فرقة “عازفو دمشق لموسيقا الباروك” بتشكيلة الوتريات والكلافيسان بقيادة المايسترو مهدي المهدي ضمن مهرجان موسيقا الباروك الرابع في دار الأوبرا وفق مفهوم “الباصو كونتينو- الباص المستمر”، ويعني التشاركية بين التشيللو والكلافيسان والكونترباص، لإظهار التفاصيل الدقيقة لموسيقا الباروك الغنية بالمشاعر والانفعالات والزخارف الموسيقية، لتشكّل ألحاناً حيوية براقة انسيابية شدّت جمهور الأوبرا، ولاسيما أن مهدي المهدي قد اختار برنامجاً منوّعاً بين الكونشيرتو والمتتالية والفانتازيا والسويت. وبدت الفرقة بشكل أوسع من حيث عدد العازفين والتعمّق بخصائص موسيقا الباروك، ورغم دور الكلافيسان بإضفاء جمالية ألحانها، إلا أن دور التشيللو والكونترباص والفيولا خاصة بقي واضحاً.
الكرنفالات
بدأت الأمسية بافتتاحية ملفتة بعزف مقطوعة موسيقا الألعاب النارية للوتريات والباصوكونتينو للمؤلف هاندل التي تعزف بالاحتفالات الكبرى والكرنفالات، والمؤلفة من مقاطع عدة بلحن هادئ بمشاركة التشيللو ثم تكثيف العزف الوتري وتكرار اللحن الأساسي مع تغيّر بدايات المقاطع.
صولو الكمان
ليتبعها كونشيرتو الفصول الأربعة للمؤلف فيفالدي بعزف جزء الربيع بمشاركة عازفة الكمان ديمة خير بيك، وقد شغل الحيّز الأكبر من الأمسية ويعدّ الكونشيرتو الأشهر لفيفالدي، إذ اتخذ طابع الحوارية بين الصولو العزف المنفرد لديمة خير بيك مع تشكيلة الفرقة، مشكّلة ثنائية رائعة مع الكلافيسان حيناً، ومع الفيولا في مواضع، وأظهرت خيربيك حرفيتها بالعزف وفق ما كتبه فيفالدي لإمكانات وأبعاد آلة الكمان، وتميّز الكونشيرتو بتكرار عزف بعض الجمل الموسيقية بدرجة صوت مرتفعة ومنخفضة بتناوب بارع.
وتغيّر المسار اللحني بعزف فانتازيا على وتر واحد للمؤلف بورسيل بتوليفة الوتريات فقط دون الكلافيسان، ليعود تأثير نغمات الكلافيسان البراقة مع عزف المتتالية الأوركسترالية بسلم صول مينور للوتريات والباصو كونتينو للمؤلف باخ، مبتدئة بلحن هادئ مع الوتريات والكلافيسان ومن ثم يتسارع ويعود إلى الهدوء، ليتألق بالقفلة مع سحبة الكمانات. واختُتمت الأمسية بروح الموسيقا الشعبية لمتتالية مملكة الجن المبنية على الحكاية الشعبية بالحوارية بين الآلات.
الأورغن والكلافيسان
وفي حديث “البعث” مع المايسترو والمؤلف الموسيقي والموزع مهدي المهدي، أوضح أن فرقة “عازفو دمشق لموسيقا احتفالية الباروك بالمهرجان الرابع بتنوع أكبر” كانت موجودة في المعهد العالي للموسيقا، وتابع: في عام 2014 أعدنا تأسيسها مع د. نبيل الأسود وتدرّبنا عبْر السكايب مع الموسيقي عازف الكلافيسان الإيطالي ماركو فيتالي، فاكتسبتُ خبرة بأداء موسيقا عصر الباروك، وأردتُ أن أتابع الرسالة بالتعريف بهذه الموسيقا وإحياء الفرقة، وهذا الحفل الثاني لنا وأطلقنا عليه “احتفالية الربيع” بتشكيلة الوتريات والكلافيسان، ومن الممكن أن تكون آلة الأورغن بدلاً من الكلافيسكان وسنقدم أعمالاً كُتبت للأورغن، ولاسيما أنه توجد في دار الأوبرا آلة الأورغن وهي كنز من كنوز سورية.
وحدة الإنسان
كما نوّه بأن ثمة تقاطعات بين موسيقا الباروك والموسيقا الشرقية من حيث أساليب الزخارف الموسيقية والانفعالات وتداخل الموسيقا الشعبية من خلال المتتالية التي تشكّل الرقصات، ونحن كموسيقيين شرقيين قادرون على تقديم موسيقا الباروك بشكل جيد، وكذلك الجمهور يستطيع تذوق هذه الموسيقا والتفاعل معها كونها تشبهنا، ونحاول من خلالها أن نجسّد الرابطة بين الشعوب بأن الموسيقا بالنسبة للبشرية واحدة، وتعبّر عن وحدة الإنسان.
ثم سألته عن خصوصية مقطوعة فانتازيا على وتر واحد لبورسيل، فعقب بأنها من المقطوعات الصعبة التي كُتبت للوتريات وتبنى على علامة الدو مستمرة وعلى وتر واحد، وصعوبتها بكيفية التأليف الموسيقي من علامة واحدة على وتر واحد من الفيولا.
شخصية المؤلف
أما من حيث تكرار بعض الجمل الموسيقية في كونشيرتو فيفالدي باختلاف درجة الصوت، فقد بيّن أن الاختلاف بين الصوت المرتفع (فورتي) والمنخفض (بيانو) يعود إلى ما يتصف به فيفالدي بالكونشيرتو بإعادة الجملة الموسيقية ذاتها باختلاف درجة الصوت من خلال الحوارية بين الصولو والفرقة، وهذا يرتبط بشخصية المؤلف الذي خلّدته البشرية.