استراتيجية العنف والإرهاب في مواجهة الصين
هيفاء علي
مع تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة والصين، أصبح واضحاً أن الولايات المتحدة غير قادرة على التنافس مع الصين من حيث التنمية والتجارة والاستثمار، ولاسيما في المناطق الواقعة على أطراف الصين. لذلك لجأت الولايات المتحدة إلى ممارسة الإكراه السياسي والتخريب وحتى إثارة العنف، حيث يمتد العدوان العسكري الأمريكي والتخريب السياسي، ولاسيما في جنوب شرق آسيا، إلى عقود خلت. فبالإضافة إلى حرب فيتنام والصراعات ذات الصلة التي اندلعت في لاوس وكمبوديا وحتى تايلاند خلال القرن العشرين، دعمت الولايات المتحدة مؤخراً كتلة إقليمية موحدة من جماعات المعارضة، تُسمّى أحياناً “تحالف شاي الحليب”، الذي يشمل مجموعات معارضة تروّج لها على نطاق واسع وسائل الإعلام الغربية في ميانمار وتايلاند وهونغ كونغ، لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
كما حاولت الولايات المتحدة إنشاء مجموعات معارضة مماثلة في أماكن أخرى في جنوب شرق آسيا، ويُبرز مثالان حديثان للإرهاب في جنوب شرق آسيا التهديد المستمر للعنف المدعوم من الولايات المتحدة في المنطقة، فقد نفذت المعارضة في ميانمار إحدى الهجمات، وهي خطوة شجعتها بقوة الحكومات ووسائل الإعلام الغربية. أما الآخر فقد ارتكبه متطرفون من مجموعة عرقية أقل شهرة في فيتنام، وقد تمّ التسويق لهذين الهجومين وتبييضهما، بل وحتى تبريرهما من قبل وسائل الإعلام الغربية، والتي شجعت بذلك على مزيد من العنف، ما يدلّ على إصرار واشنطن المستمر في استخدام العنف والإرهاب لتعزيز أهداف سياستها الخارجية في المنطقة، في مواجهة الصين.
في السياق، تحاول وسائل الإعلام الغربية تبرير العنف الذي ترتكبه أقلية “المونتانارد” العرقية، فخلال حرب فيتنام، قام عناصر هذه الأقلية جنباً إلى جنب مع القوات الخاصة للجيش الأمريكي في المرتفعات الوسطى، حيث عبر المئات منهم الحدود الكمبودية في العقود الأخيرة، متذرعين بالقمع الذي مارسته الحكومة الفيتنامية، والاضطهاد الديني للأقلية المسيحية، ومصادرة أراضيهم، كما فعلت الولايات المتحدة في أماكن أخرى من العالم، ولاسيما في الصين نفسها فيما يتعلق بالحركات الانفصالية المسلحة في “شينجيانغ والتبت”، كان “المونتانارد” ولا يزالون مدعومين من قبل الحكومة الأمريكية لغرض محدّد هو تقويض السلام والاستقرار في فيتنام، إذ تسعى الولايات المتحدة ليس فقط إلى إزاحة الحكومة الفيتنامية الحالية من السلطة، ولكن أيضاً لإزالة واستبدال نظام الحكم بأكمله.
في عام 2000، أثناء جلسة استماع في مجلس النواب حول العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وفيتنام، عندما طرح سؤال كيف يمكن للولايات المتحدة أن تؤثر بشكل أكثر فاعلية على وتيرة واتجاه القضايا الاقتصادية والسياسية في فيتنام؟. حينها أجابت النائبة الأمريكية آنذاك دانا روهراباشر، بأنه يجب ألا يكون الهدف الأول هو مساعدتهم (فيتنام) على التطور الاقتصادي، بل ما يتعيّن علينا القيام به هو ما فعله ريغان، وهو دعم الناس في فيتنام وهذه المنطقة الذين يسعون إلى الديمقراطية ويدعمون الاتصالات مع الشعب الفيتنامي أنفسهم الذين يؤيدون مجتمعاً ديمقراطياً أكثر حرية وأكثر انفتاحاً. وأضافت أن هناك العديد من المسارات المفتوحة لنا، ويجب علينا بذل جهود كبيرة من خلال صندوقنا الوطني للديمقراطية (المحظور في روسيا) ودعم إذاعة آسيا الحرة، حيث كانت الخطة تهدف إلى دعم جماعات المعارضة من خلال الصندوق الوطني للديمقراطية في فيتنام، وتعزيز جماعات المعارضة الفيتنامية من خلال المنظمات الإعلامية الحكومية الأمريكية لزعزعة الاستقرار والضغط على الحكومة الفيتنامية، مع إعاقة التنمية الاقتصادية لفيتنام على أمل رصّ صفوف حركات المعارضة التي ترعاها الولايات المتحدة.
وهكذا يستهدف العنف الأمريكي جنوب شرق آسيا، حيث تعمل وسائل الإعلام الممولة من الولايات المتحدة وبريطانيا، على استخدام النهج نفسه لتصوير الإرهاب في ميانمار وفيتنام على أنه نضال من أجل الحرية والديمقراطية. هذا الإرهاب لا يستهدف دولة واحدة، بل يستهدف منطقة جنوب شرق آسيا بأكملها، نظراً للتهديد الإقليمي الذي يمثله جنوب شرق آسيا من خلال الفتنة والانفصال والعنف، وحتى الإرهاب الذي ترعاه الولايات المتحدة وأوروبا، فقد بدأت منظمة “شنغهاي” للتعاون الحديث عن ردّ جماعي على “الثورات الملونة” التي نظمها الغرب، وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد حثّ الدول على منع القوات الأجنبية من إثارة الثورات الملونة في جنوب شرق آسيا، ويمكن تعزيز هذه المبادئ من خلال الإجراءات الإقليمية التي تهدف إلى فضح ومكافحة التدخل الأجنبي، سواء من خلال وقف تدفق الأموال الأجنبية التي تغذي جماعات المعارضة التي تقوم بهذا التدخل عن طريق تأمين فضاء المعلومات، ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي القائمة على شبكة واسعة من المؤسّسات الإعلامية في جنوب شرق آسيا التي تمولها وتعمل من أجل المصالح الغربية.
في نهاية المطاف، فإن الهجومين الإرهابيين الأخيرين اللذين تمّ تبييضهما وتبريرهما من قبل وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية، هما مجرد عيّنة صغيرة من موجة كبيرة ومتنامية من العنف السياسي الناجم عن التدخل الغربي في المنطقة. ومع استمرار صعود الصين وبقية آسيا، وخاصة جنوب شرق آسيا، ومع استمرار الولايات المتحدة في التلاشي كقوة عالمية أحادية القطب، ستلجأ واشنطن بشكل متزايد إلى العنف في محاولة لتحقيق تغيير النظام في المنطقة، والوقت وحده هو الذي سيحدّد ما إذا كانت دول جنوب شرق آسيا يمكنها العمل بشكل جماعي لمعالجة هذا العنف الذي يستهدف بشكل جماعي جنوب شرق آسيا برمتها.