الواقع المقاوم الفلسطيني.. شكل من أشكال انتفاضة جديدة
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة سلسلة من التغييرات المهمة، ومن أبرزها تصعيد عمليات المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، حيث حوّلت هذا التغييرات المنطقة إلى جبهة من المقاومة الفلسطينية في مواجهة الكيان الإسرائيلي، حيث يذكرنا هذا التصعيد بمناخ الانتفاضة الثانية قبل أكثر من عقدين، وما يعزز هذا الرأي عودة جيش الاحتلال لاعتماد سياسة الاغتيالات من خلال الضربات الجوية الموجهة ضد شخصيات المقاومة. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل أصبحنا نستعد لانتفاضة فلسطينية ثالثة، أم ربما يكون السؤال الأكثر واقعية: متى بدأت الانتفاضة الفلسطينية الثالثة؟.
في أعقاب معركة “سيف القدس” في أيار 2021، والتي شكلت نقطة تحول لصالح المقاومة الفلسطينية، ازدادت قدرات المقاومة بتوجيه الضربات إلى داخل الكيان الصهيوني، وتحولت من أعمال فردية لمجموعات من الشباب الفلسطيني إلى عمليات منسقة مدعومة من قبل فصائل المقاومة المختلفة في جميع أنحاء الضفة الغربية.
دعم متزايد لانتفاضة فلسطينية أخرى
بحلول منتصف عام 2023، تصاعدت عمليات المقاومة في ظل استمرار جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، حيث وجهت هذه الزيادة في عدد عمليات المقاومة ضربة كبيرة لحكومة بنيامين نتنياهو الذي طالما تفاخر إلى جانب حلفائه من اليمين المتطرف، خلال حملتهم الانتخابية بأنهم وحدهم قادرون على منع مثل هذه العمليات.
في 20 حزيران الماضي، قُتل أربعة إسرائيليين بالقرب من مستوطنة “عيلي” في الضفة الغربية، كما انفجرت عبوة مفخخة قبل يوم واحد فقط، وذلك أثناء اقتحام حي الجابريات في مخيم جنين، ما أدى إلى إصابة سبعة جنود إسرائيليين.
بصرف النظر عن تطورات منظومة المقاومة على الأرض، يشير الشعور العام الفلسطيني أيضاً إلى أن انتفاضة أخرى قادمة لا محالة، فقد كشف استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في آذار الماضي، عن ارتفاع ملحوظ في نسبة المؤيدين للمواجهات المسلحة والانتفاضة.
فقد توقع أكثر من 60٪ في الضفة الغربية اندلاع انتفاضة مسلحة ثالثة، بينما أعرب 70٪ عن دعمهم لتشكيل فصائل مقاومة، مثل عرين الأسود في مدينة نابلس، كما رأى 70٪ من المستطلعين أن الإجراءات العقابية التي تتخذها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين ستؤدي إلى مزيد من التصعيد وعمليات المقاومة ضد جنود الاحتلال.
وفي ظل الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية، ازدادت جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وتجسدت في الاعتداءات الأخيرة التي شنها المستوطنون على بلدتي ترمسعيا وحوارة، والتي أسفرت عن استشهاد فلسطينيين، وتدمير عشرات المنازل والسيارات، تحت حماية مشددة من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
من الجدير بالذكر، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت خلال عام 2022 أكثر من 167 فلسطينياً في القدس والضفة الغربية، و 50 في قطاع غزة وأربعة في الداخل الفلسطيني المحتل.
في الوقت نفسه، يستمر الواقع المرير للأسرى الفلسطينيين، فقد وصل عدد الأسرى في سجون الاحتلال إلى 4700 أسير، بينهم أكثر من 500 مقدسي، يعانون جميعهم من ظروف اعتقال قاسية وغير إنسانية.
ومن بين هؤلاء الأسرى، يعاني قرابة الـ 700 أسير من أمراض مختلفة، وقد استشهد أربعة أسرى داخل السجون، بسبب سياسة الإهمال الطبي التي يعتمدها الاحتلال مع الأسرى الفلسطينيين.
كما سجل عام 2022 ارتفاعاً في حملات الاعتقال التي نفذها الاحتلال، ووصل عدد المعتقلين إلى 7000 فلسطيني، بينهم 850 طفلاً، و 160 امرأة.
على الرغم من المحاولات التي شهدتها الضفة الغربية لقتل الروح الوطنية، وخلق جيل جديد يقبل التعايش مع الاحتلال ويُطبع معه، فقد ثبت فشل هذه الجهود. وفي تقرير نشرته وكالات الأنباء في آذار الماضي، أشير إلى أن أي انتفاضة فلسطينية جديدة ستكون مختلفة تماماً عن سابقاتها، لأن هناك جيلاً جديداً، مكنته مواقع التواصل الاجتماعي من معاينة معاناة الفلسطينيين عن قرب.
واعتبر التقرير أن تصاعد المواجهات في الضفة الغربية، وظهور فصائل مقاومة جديدة مثل “عرين الأسود”، و”كتيبة جنين”، كلها مؤشرات على حدوث شيء خارج عن المألوف.
وتشكّل “عرين الأسود” و”كتيبة جنين” تحدياً لجيش الاحتلال الذي لم يعد قادراً على اقتحام نابلس وجنين من دون أن يُواجه بإطلاق النار. علاوة على ذلك، انتقلت المجموعتان من انتظار المواجهة، إلى المبادرة بشكلٍ غير مسبوق منذ انتفاضة الأقصى الثانية، ورغم عمليات الحصار والتحديات العديدة، تمكنت فصائل المقاومة من تحويل الضفة الغربية المحتلة إلى ساحة استنزاف لجيش الاحتلال.
مع وصول الحكومة الـ37 الأكثر تطرّفاً منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، زادت التحدّيات خاصّةً مع وضعها لمخطّطات التهويد والاستيطان على رأس الأولويات، إلا أنّ المقاومة والشعب الفلسطيني في تطوّر مستمر بالقدرات والوعي بمخططات الاحتلال، وهو ما يُبنى عليه لمواجهة اليمين المتطرّف، العالق بدوره في أزمات الكيان الداخلية.
ففي 13 آذار الماضي، ذكر الناطق الرسمي باسم “سرايا القدس” أبو حمزة، أنّ “الانتفاضة انطلقت من جنين ببركة دماء القائد الشهيد جميل العموري وإخوانه ووصلت إلى أريحا وستمتد إلى كلّ زقاق يتواجد فيه العدو ومستوطنوه الجبناء الذين لا مكان لهم على أرضنا، ولن نقابل الاحتلال إلا بالمقاومة المستمرّة المتصاعدة. من الضروري الخروج من القوالب والمسميّات المتعارف عليها، فـالشعب هو من يقاوم وسيستمر وستزداد الوتيرة، ولن يتمكن الاحتلال الإسرائيلي من كبحه. إن ما يحصل حالياً هو حالة متطوّرة عن تلك التي كانت عليها فلسطين المحتلّة أيام الانتفاضتين الأولى والثانية”.
في شباط 2023، أعرب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، عن قلقه من أنّ الوضع في الضفّة الغربية يشبه ما كان عليه قبل الانتفاضة الفلسطينية الثانية. لكن في الواقع، تختلف مسميّات ما يجري الآن في الضفة الغربية المحتلة، فليس من الضروري أن تتشابه وقائع اليوم مع أحداث الانتفاضتين السابقتين لكي يُطلق عليها تسمية انتفاضة، لأنه بين الانتفاضتين الأولى والثانية، كانت ثمّة فروقات واضحة. الأولى، التي اندلعت في كانون الأوّل 1987، بدأت كنضال شعبي واضح تخلله بعض الأعمال القتالية، إلا أن السمة الأبرز فيها كانت عمليات إلقاء الحجارة، فعرفت بـ”انتفاضة الحجارة”.
بينما، تميّزت الانتفاضة الثانية، بالعمل المسلح، سواء في غزة أو الضفة، أو العمليات الخاصة في أراضي الـ48، وشارك فيها الشعب وفصائل المقاومة، إلى جانب جزء كبير من أجهزة السلطة الفلسطينية الرسمية.
حالياً تنظر إسرائيل بقلق إلى تطورات المشهد الفلسطيني، لجهة تطوّر مستوى المواجهة مع الاحتلال، ويبدو أن الواقع المقاوم الفلسطيني اليوم، هو شكل من أشكال انتفاضة جديدة ستتبلور معالمها بمرور الوقت.