تطبيقات التكنولوجيا الحديثة تغزو عالم كرة القدم.. واللاعبون يبحثون عن النجاة!
البعث الأسبوعيّة-سامر الخيّر
أصبح اعتماد كرة القدم على التكنولوجيا أمراً حتمياً بعد إثبات عدة تطبيقات جدواها في التقليل من الأخطاء البشرية ومساعدة الحكام على اتخاذ القرار السليم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ما تقدمه التكنولوجيا العلمية للاعبين سواء في طريقة الإعداد البدني المثلى لكل لاعب بما يتناسب مع كتلته العضلية وقدرته على بذل المزيد والتطور، أوعن طريق توفير كرات وأحذية تساعدهم في تقديم أفضل مستوى، ورغم المعارضة التي واجهتها فكرة إدخال التكنولوجيا على هذه الرياضة الشعبية بحجة القضاء على متعتها، نرى الأصوات تخفت يوماً بعد يوم فما تقدمه التكنولوجيا يفوق في بعض الحالات قدرتنا على التحليل والتمييز، واليوم سنستعرض بعضاً من فوائد وتطبيقات هذه التكنولوجيا الحديثة والتي يطلق عليها الذكاء الصنعي، وأشهرها طبعاً برنامج “تشات جي بي تي” والذي بدأ كبرنامج مساعد في التحرير والكتابة وانتشرت تطبيقاته حتى بات يهدد كثيراً من المهن الشهيرة في عالم كرة القدم.
والبداية مع التطبيقات العملية لهذه التكنولوجيا فمن بين الإضافات الأولى التي ستوفر دعماً كبيراً للحكام ومساعدتهم على اتخاذ القرارات الصحيحة، تحسين تقنية خط المرمى وتقنية الفار بجعلها أسرع وأكثر كفاءة، وهناك التحسين في اتخاذ القرارات الاستراتيجية للفريقين وصقلها، واتخاذ قرارات تسهم في تغيير قواعد اللعبة، فعادة ما يعتمد المدرب على خبرته في اتخاذ هذه القرارات، أو عن طريق تحليل البيانات، يدوياً، بما في ذلك نقاط القوة والضعف لدى اللاعبين، والتشكيلات والاستراتيجيات المتبعة.
ويمكن للذكاء الصنعي عبر استكشاف قدرة خوارزميات التعلم الآلي على التنبؤ بالنجاح أو الفشل، وبما سيحدث في الدقائق الـ15 التالية من اللعبة، عن طريق موازنة المتغيرات الناتجة عن نظامها، ويقدر هذا النموذج كيف يمكن للتغييرات أن تعدل احتمال الوصول إلى عدد محدد من الأهداف.
ويمكن لنظام الأداء والتتبع الإلكتروني مثلاً وهو أحد الأنظمة الحديثة المنضمة للعبة الذي يعتمد على الكاميرا لمراقبة وتتبع وتحليل أداء اللاعب، ويُثبت مكانها بواسطة سترة تقيس المستشعرات المضمنة على الجهاز تفاصيل، مثل المسافة التي يغطيها اللاعب، وأجزاء الحقل التي قضى فيها اللاعب معظم وقته، ومعدل ضربات القلب وما إلى ذلك.
وكان مونديال قطر 2022 قد شهد تطبيق تقنية تحليل الأداء للاعبين أثناء إقامة المباريات، والتي وفرت أكثر من 15 ألف نقطة بيانات، الأمر الذي جعل المحللين والمدربين والجماهير أيضاً أكثر قدرة على فهم مجريات اللقاءات، إلا أن التقنية الأبرز في تلك البطولة كانت في كرة الرحلة، والتي صممتها شركة أديداس الألمانية خصيصاً، بتقنية الذكاء الاصطناعي القائم على الشحن حيث تسمح بوجود مستشعر حركة قادر على تتبع كل لمسة للكرة بمعدل 500 لمسة في الثانية الواحدة، وكانت هذه التكنولوجيا تتويج لثلاث سنوات من البحث والاختبار.
وبذكر تحليل الأداء تلعب تقنيات تعلم الآلة التي تعتبر سرّ تفوق ونجاح الذكاء الصنعي، دوراً حيويّاً في عمليات تحليل أداء الفرق واللاعبين، وذلك عبر تحليل مقاطع فيديو ومشاهد بانورامية من المباريات أو تدريبات الفرق المختلفة بشكل سهل للغاية، حيث تقوم على 4 مراحل رئيسية هي: التعرف على اللاعبين والكرة، تتبع اللاعبين في الفيديو، تمييز اللاعبين بين الفريق والخصم، إلى جانب حساب مواقع اللاعبين بدقة عبر إحداثيات ذكية للملعب، أما الأمر الأكثر إثارة هو أن تلك التقنيات تنجز تلك المراحل في ثوانٍ معدودة، من خلال جمع نتائج هذه العمليات في قواعد بيانات محددة.
ولا تكمن أهمية تلك التحليلات في مساعدة المدربين على إدارة فرقهم بشكل أفضل من خلال بيان نقاط الضعف والقوة فقط، بل تمتد إلى معلومات ملموسة للتوقع بإصابات اللاعبين، وبالتالي التدخل لتجنب تلك الإصابة إلى جانب عمليات استكشاف المواهب والتعاقد مع اللاعبين من دوريات مختلفة مستندة لما تخبرنا به الآلة عادةً.
ويتيح الذكاء الصنعي تجربة استثنائية للجماهير في المدرجات، وكنا قد لاحظنا ذلك في أوّل استخدام لهذه التكنولوجيا في كأس العالم الماضية من خلال متابعة حية لإحصائيات اللاعبين داخل المستطيل الأخضر، ويمكن أن تساعد البيانات في خلق تجربة أفضل للمشجعين أمام شاشة التلفزيون لأنها تساعدهم على الانخراط في اللعبة على مستوى أعمق، لأن كل مشجع يتعطش للمزيد من المعلومات حول أداء لاعبيهم وفرقهم المفضلة، مثل مدى السرعة والتكتيكات التي يستخدمونها وجودة اللعب، كما يمكن استخدام هذه التقنيات في مواجهة ظاهرة خلو الملاعب من الجماهير بسبب الارتفاع المستمر في أسعار التذاكر، وذلك عن طريق تطوير قواعد البيانات الخاصة بجماهير الأندية بشكل يسمح لها بتحديد المباريات المطلوبة خلال الموسم مثل: المباراة الأولى والمباراة الأخيرة والديربي أو الكلاسيكو، وبالتالي رفع سعر تذكرته، بينما تشجيع الجماهير على حضور المباريات غير المطلوبة من خلال تخفيض سعر التذاكر بها.
أما بالنسبة للوظائف التي تهددها هذه التكنولوجيا فيمكن القول أن اللاعبين هم الناجي الوحيد حالياً، فيما يستبيح الذكاء الصنعي باقي الوظائف، وسنستشهد بناديين يقومان أكثر من غيرهما بالاعتماد على التكنولوجيا العلمية الحديثة أكثر من غيرهما، أولهما في انكلترا وثانيهما في إسبانيا، حيث شهدت كرة القدم خلال الأيام الماضية تجربة فريدة من نوعها، قام بها مسؤولون في نادي برايتون باستخدام برنامج “تشات جي بي تي” لاختيار أفضل تشكيل للفريق على مدار تاريخه، والمفاجأة أن التطبيق الذي بات حديث العالم، اختار بالفعل أفضل تشكيلة للفريق كما نصح بضرورة أن يلعب الفريق بخطة 4-3-3 التي تناسب كل اللاعبين الذين تم اختيارهم في التشكيل، وهي رسالة تهديد مبطنة لأي مدرب بأن عمله أصبح مهدداً.
وفي تعليق على ما حدث صرح الإسباني أنخل لوبيز”مدرب فريق باوك اليوناني، “أنه لا يمكن الحكم مُبكراً على ما قد يُحدثه التطور المتلاحق في عالم الذكاء الاصطناعي على كرة القدم، وتحديداً في مجال التدريب، مضيفاً أن جميع الأندية الكبرى في أوروبا تستخدم منذ سنوات تقنيات متطورة في تحليل أداء اللاعبين داخل الملعب لذا فإن أي مدرب يجلب معه محلل أداء في فريقه، لا يقتصر دوره على تحليل فريقه فقط، بل تحليل كل بيانات الفريق المنافس لوضع تصور كامل أمام المدرب ليقرر خطته داخل الملعب”.
ويعتبر نادي برشلونة واحداً من رواد الأندية في العالم التي عرفت طريق الذكاء الاصطناعي مبكراً، ويعقد من حين إلى آخر مؤتمرات كبيرة تتعلق بالذكاء الاصطناعي ودوره في مستقبل كرة القدم، كان آخرها في شباط الماضي، وأبرز ما توصل إليه المؤتمر هو قدرة خوارزميات الذكاء الاصطناعي على المساهمة الفعالة ومساعدة محللي الأداء في كل فريق، وذلك من خلال تقديم تحليلات تنبؤية وتفصيلية للمباريات المستقبلية، وأشار المؤتمر إلى أن أول لعبة دخلها الذكاء الاصطناعي كانت لعبة الشطرنج لكن كرة القدم أصعب كثيراً لأنها تعتمد على حركة أحد عشر لاعباً عكس الشطرنج التي تعتمد على قطع غير متحركة.