مجلة البعث الأسبوعية

يساهم في استثمار قدراتهم الإبداعية بشكل مبكر.. تسريع نظام الدراسة الجامعية للطلبة المتفوقين ما زال أسير دراسات اللجان!

البعث الأسبوعية – غسان فطوم

المطالبة بتقليص سنوات الدراسة بإحداث نظام لتسريعها ليس بأمر جديد في الجامعات السورية، بل كان مطلباً ملحاً منذ أكثر من عقد من الزمن، يتصدر قائمة المطالب في كل مؤتمر طلابي من قبل الطلبة وأساتذتهم، وحتى داخل المجالس الجامعية، وذلك بهدف أن تتماشى جامعاتنا مع التطور الذي تشهده العملية التعليمية في جميع الدول وبما يلبي متطلبات وحاجات سوق العمل بشكل أسرع داخل البلد وخارجه، ولعل السبب الأهم لاختصار سنوات الدراسة هو وجود الكثير من الطلبة المتميزين في جميع التخصصات العلمية والذين يهدرون الكثير من الوقت خلال حياتهم الجامعية على مواد لا فائدة منها، وبالإمكان تجاوزها وضغط فترة الدراسة دون أن يؤثر ذلك على المخرجات الجامعية.

للأمانة كان هناك محاولة في جامعة دمشق لتطبيق نظام الساعات المعتمدة وتحديداً في كليتي الإعلام والسياحة خلال أعوام 2012-2014، وربما أكثر بقليل غير أن التجربة لم تدوم طويلاً!  فيما استمر تطبيق هذا النظام في الجامعات الخاصة لكن التجربة لا زالت خجولة وينقصها التقييم العادل، فالوقائع تشير إلى وجود الكثير من العثرات والثغرات رغم وجود العديد من الطلبة المتفوقين والمميزين الذين ينتظرون قرارات اللجان لعلها تفلح باعتماد قرار في استثمار طاقاتهم الخامدة!.

حوار بنّاء

عبر المجموعة الإعلامية “شبكة السلطة الرابعة” التي تضم خيرة من الكوادر الوطنية في مختلف مجالات العمل “وزراء ومعاونين ومدراء وأساتذة جامعة وإعلاميين ومثقفين ونقابيين” تم طرح عدة مقترحات بخصوص تسريع سنوات الدراسة الجامعية ودار نقاش بنّاء بهدف اختصار سنوات الدراسة والسماح للطالب المتميز بتنزيل مواد من السنوات الأعلى إن رغب، وتم الطلب من وزارة التعليم العالي بتوجيه مديرية تعادل الشهادات لاستثناء هذه الحالات (الطلبة المتميزين والمبدعين) وقبولهم بحيث لا يؤثر اختصار سنوات الدراسة على مصداقية الشهادات الجامعية.

غير مسموح!

الدكتور حسن حزوري أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب اقتراح تعديل الأنظمة والقوانين الجامعية، مشيراً إلى أن جامعات معظم الدول المتقدمة تسمح باختصار المراحل الدراسية الجامعية، بناء على اختبار أو سبر معلومات إذا كانت مهارات الطالب العلمية وذكائه يسمح بذلك، ففي فرنسا مثلا، تمنح شهادة الدكتوراه، في حالات استثنائية، من دون المرور بدرجة الماجستير أو بدبلوم الدراسات المعمّقة DEA في حال تسجيل براءتي اختراع عالميتين، بينما في جامعاتنا غير مسموح بذلك مهما كانت المبررات!.

جسر الفجوة

بدوره اقترح الدكتور سامر المصطفى عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية بجامعة دمشق أن تصبح السنتين الأولى والثانية أكاديمية نظرية وأن تكون السنتين الأخيرتين أو الثلاث دراسة تطبيقية عملية للطالب خاصة و-الكلام للدكتور مصطفى- أننا نعاني من فجوة كبيرة بين النظري والخبرة العملية للطلاب في سوق العمل، لذلك فكرة اختصار سنوات الدراسة وتكثيفها بات ضرورية حتى نستطيع أن نرتقي بالعمل العلمي نحو الأفضل.

زيادة على الزيادة!

ويرى الدكتور علي يوسف الأستاذ في كلية الطب بجامعة تشرين أن موضوع اختصار سنوات الدراسة هام جداً ويحتاج التمحيص والإجابة السريعة من وزارة التعليم العالي، موضحاً أنه وبحسب الدراسة في الكليات يلاحظ العكس تماماً أي زيادة في سنوات الاختصاص دون حاجة لها، مشيراً إلى أنه في كلية الطب يوجد سنة الامتياز وهي زيادة أيضا على الزيادة، إضافة لوجود إعاقة حقيقية من بعض المقرارات التي تحتاج لإلغاء أو تعديل، مطالباً بضرورة دعم الطلبة المتميزين وكذلك أساتذتهم ومؤسساتهم التعليمية دعماً حقيقياً يلمسونه على الأرض.

المقياس الزمني

وللدكتور إبراهيم تركماني الأستاذ في كلية طب الأسنان بجامعة البعث رأي آخر، فهو يعتبر المقياس الزمني أحد المعايير الهامة التي تعتمدها أسس التعليم، فهي حددت للمتعثرين زمناً وساوت بين المجتهدين والمبدعين بالزمن، واقترح الدكتور تركماني أن من يتفوق بالسنة التحضيرية متجاوزاً معدلاً يحدد لاحقاً يتم قبوله بنظام الساعات المعتمدة، بحيث تكون نسبة عدد الطلاب بالسنة التحضيرية لا يقل عن الثلث، على أن يتم تخصيص جامعة حكومية عريقة تعتمد هذا النظام فقط، على أن تبقى الجامعات الحكومية بنفس النظام التدريسي وإعطاء الحرية للطالب بالاختيار.

متاهات ..!

ومن وجهة نظر الدكتور رامي آمون الأستاذ في كلية التربية بجامعة تشرين أن تسريع الدراسة الجامعية واختصار سنواتها يقتضي التمييز بين مرحلتين:

مرحلة الإجازة ومرحلة الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه، فبرأيه قد يكون من الممكن بل من المفيد تطبيق الاختصار على مرحلة الإجازة الجامعية وبمعايير صارمة على أن لا يكون الاختصار بالسنوات الأولى وإنما الاختصار بالسنوات الأخيرة مع تحديد عدد معين من السنوات كحد أدنى.

مضيفاً: لا يعقل أن يحصل أي كان على شهادة هندسة مثلا بسنتين ولنقس على ذلك، فهذا ما قد يدخلنا بمتاهات نحن بغنى عنها، خاصة وأن هناك مرحلة الدراسات العليا وهي محددة بسنوات مدروسة، حيث بمرحلة الماجستير هناك سنة نظري ( مقررات ) وسنة بحث وهذا الحد الأدنى من الزمن لانجاز ما يجبأن يقوم به الطالب..

بحاجة لتعديل

عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الوطني لطلبة سورية المهندس عمر جباعي استغرب بقاء الكثير من القوانين والقرارات  من دون تعديل وخاصة ما يعلق بموضوع  تعادل الشهادات، فبرأيه أن معاييرها لم تعد  تواكب التطورات والقوانين العالمية  وخاصة ما يتعلق بالمدة الدراسية، والاعتراف ببعض الجامعات، ومدة البقاء خارج القطر،  وعدد سنوات الدراسة للماجستير والدكتوراه وحتى المرحلة الجامعية الأولى، وبشكل خاص التخصصات الهندسية، حيت يدرس الطالب ٥٥ مقرراً عدد كبير منها لا يمس الاختصاص المباشر له، بالرغم من أهمية بعضها وخاصة اللغة.

وبين جباعي أنه يوجد جامعات عالمية عديدة متقدمة علمياً  اختصرت مدد الدراسة ليس على حساب الجرعة العلمية وإنما بطريقة التكثيف المنظم والمدروس للجوانب العملية والتطبيقية وتطوير البحث العلمي فعلياً.

تأخرنا كثيراً!

جانب آخر من الأساتذة رأي أننا تأخرنا كثيراً في حسم مسائل قد حسمتها العديد من المؤسسات المعنية في عديد من الدول، مشيرين إلى أن موضوع تعادل الشهادات طرح منذ عقود وأقيمت لأجله ندوات وورش عمل لكن دون التمكن من الخروج من المعاير النمطية ووضع معايير أكثر رشاقة كالتي تخص المهارات المكتسبة وغيرها من المعايير التي أثبتت  جدواها في العديد من الدول غير البعيدة جغرافياً عنّا!.

حاضنات داعمة

وطالب آخرون بحاضنات حقيقية للمبتكرين والمبدعين تبدأ من توفير الخدمات والدعم والمساعدة العلمية والعملية وتصل إلى الحصول على المنتج وليد هذا الابتكار وتقديمه إلى سوق العمل.

وتأكيداً لما سبق من آراء ووجهات نظر عاد بعض الأساتذة وأكدوا على الإسراع بتعديل قانون تعادل الشهادات الذي بقدمه وعدم مواكبته للمستجدات أدى إلى خسارة الكثير من  الكوادر  المتميزة من خريجي أرقى الجامعات بسبب نقص شهر أو شهرين مكوث، دون أخذ الاعتبار بأن هذا الطالب ذكي ومتميز وأنهى الدراسة بوقت أقل، ولأجل ذلك اقترحوا:

إعفاء من تخرج من أول ٥٠٠ جامعة مصنفة عالمياً من زمن مكوث وغيره، والتركيز على الخبرات والبحوث والانجازات من مؤسسات بحثية أكاديمية ذات شهرة عالمية.

واقترحوا أيضاً تخفيف الأعباء على الطلاب وخاصة سنة الامتياز للأطباء ،التي تؤخر دخولهم في سوق العمل في وقت نحن بأمس الحاجة لهم نتيجة هجرة الكثير من الأطباء خلال سنوات الحرب.

خطط تنفيذية قريبة

معاون وزير التعليم العالي الدكتور عبد اللطيف هنانو بيّن أن بعض الدول تطبق في جامعاتها أنظمة تعليم تراعى فيها اختصار فترة الدراسة ( نظام الساعات المعتمدة – نظام LMD وغيرها ) مما يتيح للمتميزين إبراز أمكانتهم، مشيراً إلى أن اختصار فترة الدراسة مطبق عندنا في الجامعات الخاصة، لافتاً إلى وجود دراسات في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حول تطبيق أنظمة تعليم مختلفة تراعي الطلاب المتميزين  في المرحلة الجامعية الأولى وفي مرحلة الماجستير، وذلك يأتي ضمن رؤية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي تم عرضها أمام السيد الرئيس بشار الأسد  خلال اجتماع سيادته مع مجلس التعليم العالي في مناقشة رؤية تطوير التعليم العالي والبحث العلمي وما يمكن أن ينجم عنها من خططٍ تنفيذية، مشيراً إلى أنه ستكون هناك دراسات من قبل فرق فنية متخصصة لتطوير آلية القبول الجامعي وتطوير الخطط والمناهج في بعض الكليات والاختصاصات  لتراعي المتفوقين المتميزين.

بالمختصر، ما تم طرحه من أفكار جديرة بالاهتمام والمتابعة من قبل إدارات الجامعات الحكومية والخاصة ووزارة التعليم العالي، ففي ظل ما يحكى عن تحديات الذكاء الاصطناعي بات لزاماً علينا التفكير لمدى بعيد حتى نجنب منظومتنا التعليمية من الوقوع في مطبات هي بغنى عنها!.