من شبّ على شيء شاب عليه… ألفة السكن العشوائي تعكس صور اجتماعية مشرقة رغم تدني الخدمات!
دمشق – البعث
يأبى كثير ممن شبّوا في مناطق السكن العشوائي إلا أن يشيبوا بها رغم حصولهم على فرصة ذهبية لتغيير مكان سكنهم المخالف بكل المقاييس الفنية والبنيوية وأحيانا الثقافية والاجتماعية، واستبداله بسكن نظامي في مناطق حديثة تغري كل راغب بالحصول على مأوى بعيداً –نسبياً- عن وطأة الضغط المادي وارتفاع أسعار العقارات، خاصة أولئك الذين اكتتبوا في الجمعيات السكنية والسكن الشبابي، وذلك لأسباب تتعلق بالنسيج الاجتماعي وما يفرزه من عادات وتقاليد غير مقيدة بشكليات بريستيج المجتمع المخملي الملون بأطياف التكلف والتصنّع، ليصبح الحي الشعبي أقرب إلى الأحياء القروية التي ينحدر معظم سكانه منها، حيث المحبة والتسامح والعفوية ورفع التكلفة، وبإمكان أي زائر لأي منطقة مخالفات أي يلحظ ذلك، على عكس سكان الطوابق النظامية الذين يحسبون حركاتهم وكأنهم تحت مراقبة مكثفة خشية أن يزل قلمهم أو يسهو لسانهم فيؤخذ عليهم أنهم خارج تغطية الحضارة!.
تآلف
لا يخفى على سكان العشوائيات ما تعانيه مناطقهم من تدني عوامل السلامة الإنشائية نتيجة تنفيذها بعيداً عن الرقابة والدراسة والإشراف الهندسي السليم، وغياب أنظمة ضوابط البناء، وتشويه هوية طابعها المعماري، لكن كل ذلك يصبح ليس ذا قيمة أمام جلسات السمر المسائية التي يعقدها أصحاب الحي أمام منازلهم، رغم أن هذا النسيج هو هجين من مجتمعات مختلفة إلا أن تعايش شرائحه على مدى العقود خلق جواً من التآلف بينها.
أحد سكان منطقة دويلعة حظي بمسكن في ضاحية قدسيا (السكن الشبابي)، لكنه عرضه للإيجار مفضلا البقاء في دويلعة لأن الخروج منها بالنسبة له تماماً كالسمك الذي يفارق الحياة لحظة خروجه من الماء على حد تعبيره، مؤكداً أنه اعتاد العيش وفق أسلوب حياة فريد من نوعه، فالكل هنا يعرفه ويسامره ويجتمع معه مساء في زقاقه أمام بيته أو على السطوح، وهذه الأجواء غير متوفرة إلا في المناطق الشعبية حيث القلوب على بعضها أكثر من نظيرتها غير الشعبية التي لا تربط الجار بجاره أي صلة إلا إلقاء السلام والتحية لحظة الدخول والخروج وأحيانا ينتفي هذا الرابط.
مقارنة
أسباب أخرى تتعلق بالوضع المادي والقرب من مركز المدينة تجعل بعض قاطني العشوائيات يتمسكون بمحل إقامتهم رغم تدهور العوامل والشروط الصحية فيها، كما حصل مع أحد سكان حي نائي يقع على أطراف منطقة الدحاديل الذي باع بيتاً حصل عليه في قدسيا بعد أن قارن بين أسعار السلع والمواد الاستهلاكية اليومية في الدحاديل وقدسيا، ليكتشف أنها في الأخيرة مرتفعة عن الأولى بنسب تتراوح ما بين 5 – 20%، إضافة إلى أن ارتياب مدة الوصول إلى مركز المدينة يصل لنحو نصف ساعة بين المنطقتين، فضلاً عن الربح المادي الذي حصل عليه جراء بيعه بيت قدسيا.
صورة أخرى
لكن في المقابل هناك كثير من سكان مراكز المدن فضلوا بيع بيوتهم الموروثة عن آبائهم بأسعار فلكية وشراء أخرى في الضواحي، للحصول على رأس مال يمكنهم من إنشاء مشاريع صغيرة وشراء سيارة ..الخ، كما فعل ورثة أحد سكان المزة –وهم شقيقان- لجئا إلى بيع منزل والدهما البالغ مساحته 100 م2 فاشترى الأول منزلاً في أشرفية صحنايا، واستثمر شقيقه الثاني جزءاً من المبلغ بمشروع صغير واحتفظ بالباقي في أحد المصارف بعد أن اشترى سيارة صغيرة، أما الآخر ففضل السفر وإكمال دراسته خارج القطر.
آخر القول
مؤكد أننا لا ندعو لترسيخ ظاهرة السكن العشوائي، لكننا قصدنا تسليط الضوء على جانب مشرق في هذه الأحياء المنسية من قبل جهاتنا الرسمية، وهو جانب المحبة والألفة المفقودة – إلا في الحدود الضيقة – في المجتمعات المخملية التي خطفها منها عالم الأعمال، راسماً حولها هالة من الرهبة وكأنهم من عالم آخر يخشى أصحاب الدخل المحدود الاقتراب منهم أو التعاطي معهم.