محمود حداد يغني على مقامات العشق بقيادة المايسترو نزيه أسعد
ملده شويكاني
“يا رب قلبي لم يعد كافياً لأن من أحبها تعادل الدنيا”
قصيدة نزار قباني “كتاب الحب” التي غناها ولحنها كاظم الساهر، سُبقت بصولو الساز، د. هوشنك حبش، وغناها محمود حداد بتدرجات مقامات صوته الطربي بتأثير ضوء الشموع عبْر الغرافيك في الأمسية التي قدّمها في دار الأوبرا بمرافقة الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو نزيه أسعد، بعنوان “مقامات عشق”، فكانت عشقاً بالكلمة واللحن والصوت والموسيقا والصورة البصرية. وقد بُنيت على مقام كرد درجة الدو مع سلسلة مقامية لنهاوند درجة الفا، وحجاز كار درجة الدو، والبيات درجة الدو وغيرها، بعدما اختار محمود حداد أجمل أغنيات الحب من مصر ولبنان والعراق وسورية لكبار المغنين والشعراء والملحنين، وفق مختلف أنماط الغناء للقصيدة والأغنية الطربية والتراثية والشعبية والدرامية، باحت كلها باعترافات عشقية بقيت بالذاكرة والقلب. كما تميّزت بالتفاصيل الموسيقية الدقيقة، إذ أعطى المايسترو نزيه أسعد مساحة لكبار العازفين بالصولوهات في المقدمة والفواصل، إضافة إلى بعض الآلات التي كان لها دور بمرافقة الجملة الصوتية الغنائية، وأخرى تناوبت معها.
وشكّلت الفرقة ككل نسيجاً موسيقياً متكاملاً من الوتريات والإيقاعيات والدرامز والقانون والناي والغيتار، وأخذ البيانو والأكورديون دوراً أساسياً في البرنامج، كما تألقت النحاسيات في مواضع، واتسمت بصفاء الصوت ودقة الأداء.
بدأت بـ”إيمتى الزمان” لمحمد عبد الوهاب بتآلف تشكيلة الفرقة ودور الرق بين الإيقاعيات، من مقام كرد درجة الدو، ثم تغيّرت الألحان بأغنية فيروز “أنا عندي حنين” ألحان زياد الرحباني من مقام بيات من درجة الدو، وتميّزت بدور القانون والإيقاعيات مع البيانو والأكورديون ضمن تشكيلة الفرقة، تخللها صولو الناي عمار علي.
البيانو والأكورديون
وقد ازدادت الأمسية جمالاً مع المقدمة الموسيقية الجميلة بمشاركة البيانو والأكورديون ووقع النحاسيات والمؤثرات الإيقاعية لألحان ملحم بركات بأغنيته الحزينة الشهيرة “يا حبي اللي غاب عن عيني أنا” ومن ثم دور الوتريات والدرامز بالمرافقة الغنائية.
الوتريات والجملة الصوتية
كما استحضرت الأمسية الأغنية الدرامية العاطفية لعبد الحليم حافظ “بتلوموني ليه” ألحان كمال الطويل، وسُبقت بصولو مطوّل للقانون -ديمة موازيني- مع مرافقة خافتة للوتريات، ومن ثم صولو الناي، ليرافق حداد بالغناء “فتح الباب للشوق يلعب بيه” وهي من مقام كرد درجة الدو، وبدا دور الوتريات الصغير بين الجمل الصوتية الغنائية مع الساز، لتأتي القفلة بتكامل الأكورديون -لينا ميهوب- مع الغناء “ليه بتلوموني”.
تلتها بداية قوية للإيقاعيات مع النحاسيات وتصفيق الجمهور بأغنية “الحب الأولاني” ألحان صلاح الشرنوبي، وتألق حداد بالامتدادات الصوتية بأغنية “ياغرام ياغرام” ألحان كارم محمود من مقام نهاوند درجة الفا، لتأتي القفلة بالتدرجات الصوتية لحداد حتى السكون لمفردة يا غرام. وتحية إلى إيلي شويري شغلت أغنية “يلي بجمالك ما لقيت حدا”، مع تفريدات مفردات “أمان ياليلي أمان”.
تأثير الترومبيت والهورن
وحظيت أغنية “انسى غرامك راح” ألحان جورج ميرديرسيان من مقام حجاز كار درجة الدو بمقدمة موسيقية للبيانو مع الدرامز ومن ثم صولو الترومبيت –دلامة شهاب.
وإلى رائعة ميادة حناوي “حبينا وتحبينا” ألحان بليغ حمدي من مقام بيات درجة الدو بتألق النحاسيات والإيقاعيات، إلى “حرمت احبك” ألحان صلاح الشرنوبي من مقام حجاز كار من درجة الدو، بدأت بصولو الساز ثم الناي، وبتأثير النحاسيات الهورن -فؤاد شلغين- بتفاعل كبير من الجمهور.
ذائقة الذات العربية
وفي حديث المايسترو نزيه أسعد أوضح أن الأمسية تألفت من مجموعة مقامات قريبة من الذات العربية الذواقة للموسيقا العربية، التي تحتوي الكثير من التفاصيل التي يجب أن يعرفها الجمهور، وهذه المقامات التي سلطنا الضوء عليها هي أكثر المقامات شيوعاً، والتي لُحنت عليها الأغنيات الطربية والعاطفية التي ترسخت بداخلنا، فعملنا على اختيار سلسلة من المقامات على نوتة الدو، والفا.
كما علّق على تفاعل الجمهور بأنه يعود إلى الثقافة الموسيقية التي نعتز بها وإلى شغف الجمهور والناس عامة بالتعرّف إليها، ليس بهدف التذوق وإنما للمعرفة، فكثير من الناس حينما يسمعون المقدمة اللحنية يعرفون الأغنية وهذه حالة إبداعية تتحلى بها شرائح من مجتمعنا من كل الأعمار.
اجتهادات احترافية
وعن خصوصية صوت محمود حداد الذي لفت انتباه جمهور دار الأوبرا منذ الأمسية الأولى له، عقب بأن صوت محمود حداد من الأصوات القادرة على أداء كل أنماط الغناء الشرقي، كما استطاع أن يقدم الأغنية بأسلوبه وليس تقليداً للمغني باجتهادات تؤخذ بالحسبان بتصنيف المغني المحترف.
مزاج واحد
وتابع محمود حداد بأن تسمية مقامات عشق تسمية تعبيرية ليس أكثر وبأنه اعتمد على بناء برنامج من مقام واحد، مقام كرد درجة الدو، وسلسلته من مزاج واحد، وبأن الفكرة علمية بحتة، يفهمها دارس الموسيقا ومن لديه شغف بدراسة المقامات، أما الجمهور العام فلن تصل إليه الفكرة بشكل صحيح، لكن سيدخلون بحالة موسيقية من المزاج الواحد، ومقامات عشق لن تنتهي بهذه الأمسية وإنما ستتوالى بأمسيات لاحقة.