أزمة الغذاء في الصومال.. حقائق صادمة
د. معن منيف سليمان
أدّى تعاقب مواسم الأمطار التي لم تصل إلى المعدّل الطبيعي في السنوات الثلاث الماضية إلى أسوأ موجة جفاف مسجّلة في الصومال. ولا تزال أزمة الجفاف الحالية في الصومال تتكشّف فصولها في سياق قاسٍ وحقائق صادمة للغاية. وفي ظلّ احتياج ما يقرب من نصف السكان إلى المساعدة الإنسانية، فإن الموقف يزداد سوءاً بسبب الظروف المناخية الشديدة القسوة الناجمة عن تغيّر المناخ، وعدم الاستقرار السياسي، والتوترات العرقية، وانعدام الأمن، وهي عوامل ما انفكت تُفاقِم شواغل الصحة العامة والتغذية.
اتسعت التأثيرات الكارثية لموجة الجفاف والجوع المأساوية التي تعيشها الصومال لتشمل حتى العاصمة مقديشو، والمدن القليلة الأخرى التي كانت نسبياً في مأمن من تلك الموجة، في حين يواجه سكان المناطق الحضرية ضغوطاً متزايدة تجعل حياتهم ليست أفضل حالاً من مواطنيهم في الريف ومعسكرات النازحين التي تشهد هجمة شرسة أثّرت كثيراً على طاقتها الاستيعابية.
جاء هذا الجفاف بعد ستّة مواسم متعاقبة من الجدب، ويتزامن مع انفلات أمني شديد في بعض الأقاليم، بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية والاقتصادية لجائحة كورونا، مع أزمة إمدادات الحبوب المتفاقمة الناجمة عن الحرب المستمرة في أوكرانيا لأكثر من عام.
يشير التقرير الأممي الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة إلى أنه بين كانون الثاني وآذار 2023، كان قرابة خمسة ملايين شخص في الصومال يواجهون “أزمة” من المرحلة الثالثة من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي أو مستويات أسوأ من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمن فيهم 000 96 شخصاً يواجهون حالة كارثية من الجوع، أي المرحلة الخامسة من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي. ومن المتوقع ازدياد الجوع الحاد، حيث من المرتقب أن يواجه 6.5 ملايين شخص، أي ما يزيد عن ثلث العدد الإجمالي للسكان.
ويعاني نصف السكان البالغ عددهم نحو 17 مليون نسمة من انعدام الأمن الغذائي، ويحتاجون إلى تدخلات إنسانية عاجلة قدّر تكلفتها برنامج الغذاء العالمي بنحو 2.6 مليار دولار لم يتوفّر منها سوى أقل من 10 بالمئة، بسبب انشغال المجتمع الدولي بأزمات اقتصادية وسياسية طاحنة في مناطق أخرى من العالم.
ومنذ بداية موجة الجفاف هذه، صرحت منظّمة الصحة العالمية بوضوح بأن الجفاف أزمة صحية بقدر ما هو أزمة غذاء ومناخ. إن النتائج تعرض صورة مُقلِقة للدمار الذي أتى به الجفاف على الأطفال وأُسرهم، إذ أن 340 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد وسط نقص حاد في المستشفيات والكوادر والمعينات الصحية.
ومن المتوقّع أن يؤثر انعدام الأمن الغذائي على صحة سكان البلد في الأشهر المقبلة، وهو ما سيؤدّي إلى المرض والوفاة. ففي عام 2022 مثلاً، تسبّب الجفاف في 43 ألف حالة وفاة أكثر من المعدل، وفقاً لدراسة أجريت بتكليف من منظمة الصحة العالمية واليونيسيف.
وكانت دراسة مشتركة أجرتها الأمم المتحدة والحكومة الصومالية توقعت فيما بعد أن يصل عدد الذين يموتون جوعاً في الصومال خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2023 إلى نحو 34 ألف شخص. ولكن لحسن الحظ، أسهمت زيادة المساعدات الإنسانية وتضافر جهود جميع الجهات الفاعلة، بالإضافة إلى الدعم السخي من المانحين في تجنّب المجاعة، لكن حالة الطوارئ لم تنته بعد.
وعلى غرار الأزمات المعقدة السابقة، صاحبت هذه الأزمةَ حركات واسعة من النزوح الداخلي، إذ سجّلت الجهات الفاعلة في مجال العمل الإنساني نزوح نحو أربعة ملايين شخص إلى العاصمة مقديشو، وعدد من المعسكرات التي تقيمها مجموعة من المنظمات الإنسانية الدولية في مختلف أنحاء البلاد لاستيعاب الفارين من الجوع.
ولئن كان موسم الأمطار في آذار وأيار الماضيين قد بعث على التفاؤل في كثير من المناطق، فإن تأثير الجفاف لا يزال يتفاقم بسبب الفيضانات التي تزيد من خطر تفشي الأمراض.
وبالإضافة إلى ذلك كله، أدّى الجفاف إلى انهيار الشركات الصغيرة والمتوسطة التي كانت تشكّل مصدر الدخل الأساسي لمئات الآلاف في المدن والمناطق شبه الحضرية. وتأثّرت معظم الأنشطة الاقتصادية وأنشطة الشركات بارتفاع أسعار الوقود ومدخلات الإنتاج، ما أدّى إلى موجة تسريح واسعة للموظفين.
وفي ظلّ استمرار تأثيرات الجفاف الذي أصاب الصومال، سيظلّ من الواجب اتباع نهج مكثف ومتعدّد القطاعات في عام 2023 من أجل إنقاذ الأرواح وحماية سبل العيش.