غلاء الأسعار يحوّل الأرصفة والحدائق إلى منتزهات بأقل التكاليف!
لم تعد السياحة والتنزه على الشواطئ والمنتجعات الجبلية موجودة في قاموس الغالبية الساحقة من السوريين، فما يحكى عن جنون الأسعار فيها تجعل المواطن من ذوي الدخل المحدود يهرب منها على بعد “100كم”، فتلك المنتجعات والشاليهات بنجومها المختلفة باتت حكراً على الأثرياء وحديثي النعمة في زمن الحرب!
هذه الحال من الضيق الاقتصادي وفي ظل هذه الأجواء الحارة دفعت المئات بل الآلاف من المواطنين لافتراش الأرصفة والحدائق العامة حتى ساعة متأخرة من الليل مصطحبين معهم حاجات بسيطة لزوم سيرانهم في محاولة للبحث عن السعادة ولو بأدوات بسيطة تنسيهم همومهم ومشكلاتهم التي تتجدد مع مطلع كل شمس!
خيارات محددة
ورغم المشقات التي يعانيها هؤلاء بفعل نقل الأمتعة وفردها على الأرض والبحث عن زاوية أو مكان فارغ بين الازدحام، لكن تجدهم فرحين، فالخيارات أمامهم محدودة لذلك يحاولون إقناع أنفسهم أن المكان جميلاً.
تقول المهندسة مها : إن المرتادين للحدائق والأرصفة وبعض المنتزهات الشعبية هم في الغالبية من الناس غير القادرين على تحمل أعباء الذهاب إلى المولات والمطاعم وحتى النوادي الرياضية والمسابح التي يقولون أن أسعارها مقبولة، لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً، فهي بمجملها ذات أسعار غالية جداً قياساً لدخل المواطن الذي لا يكفي سيران ليوم واحد لأسرة مؤلفة من ثلاثة أشخاص!.
وتتأسف المهندسة مها على الحال الذي وصلت إليه الأسرة السورية التي باتت تحلم بأجواء متواضعة جداً من الفرح والسعادة وخاصة لأطفالهم بعد عناء من دوام المدارس التي أرهقت جيوبهم!.
“مجبر أخاك لا بطل”
“ما باليد حيلة” هكذا قال محمد (مدرس لغة عربية)، مبدياً عدم إحساسه بالراحة وهو يجلس على عشب الحديقة التي بالكاد تجد فيها مكاناً ترتاح فيه، لكن “مجبر أخاك لا بطل” على حد قوله!
محمد برر مجيئه إلى الحديقة بعدم قدرته على الذهاب إلى المنتزهات أو المنتجعات هو وأسرته المؤلفة من أربعة أشخاص، مضيفاً: أحضرنا بعض الخضروات والفواكه وأولادي اصطحبوا معهم الكرة والدراجة الهوائية وألعاب أخرى يقتلون بها وقتهم بعيداً عن جدران البيت، فلا كهرباء ولا ماء بارد، بمعنى الشارع والحديقة أرحم على الأقل نشعر بنسمة “هوا” عليلة.
فرح مصطنع!
وقالت السيدة أم نادر: صحيح نعيش أجواء من الفرح المصطنع لكن نخاف على أولادنا من الازدحام، فالسيارات العابرة غالباً ما تكون مسرعة غير آبهة بالأطفال الذي يتراكضون خلف الكرة، متمنية من المعنيين تواجد شرطة للمرور في أماكن تواجد العائلات التي أجبرت على اللجوء لهكذا أماكن، وقال مواطن آخر /أب لأربعة أطفال/: شدة الازدحام وعدم توفر الأماكن تجعل المنتزهات في حالة من الفوضى و تجعل الأهالي قلقين بسبب الخوف الدائم على أبنائهم ، حيث لا توجد ضوابط ولا تعليمات واضحة للمتنزهين والكل يتعامل مع الأمر حسب مستواه الثقافي والتربوي وهذا يعني انه في ظل غياب الأنظمة والتعليمات لا نستطيع أن نسيطر على ما يمكن أن يحدث في هذه المنتزهات، في إشارة منها لحدوث الكثير من الخلافات بين الأطفال وحتى العراك بين الشباب لأسباب مختلفة قد تنتهي بشكل مؤسف.
نظرة علمية وعملية
هؤلاء ممن التقيناهم على قارعة الأرصفة وفي الحدائق المهملة خدمياً اتفقوا جمعياً أنه لا مفر من افتراش الأرصفة والمنتزهات وحتى الدوارات الموجودة على طريق الاوتسسترادات رغم بعض العواقب غير السارة، في ظل انعدام الحلول لانتشال الأسر الفقيرة من الضائقة المادية التي تعيشها منذ سنوات.
تشديد العقوبات!
مدير البيئة في ريف دمشق مثنى غانم أكد لـ “البعث” أن ارتياد المنتزهات العامة ظاهرة قائمة في جميع الدول وهي حالة “حضارية وراقية”، إلا أن المشكلة – بحسب رأيه – هي الازدحام الشديد وطبيعة ثقافة البعض ممن يرتادون هذه المنتزهات وسلوكياتهم السلبية كرمي النفايات وتركها بأرض الحدائق، أي أن غالبيتهم لا يتقيدون بقانون النظافة والالتزام بالتوعية فيما يتعلق بالمحافظة على النباتات والأشجار الموجودة في الأماكن العامة والسير على العشب ما يسبب في تلف كبير فيه، مضيفاً: رغم الإجراءات العديدة التي قامت بها وزارة الإدارة المحلية والبيئة إلا أن هناك أشخاصا لا يلتزمون والتوعية لم تجلب أية نتيجة معهم!
وبيّن غانم أن وزارة الإدارة المحلية والبيئة عملت على تسيير دوريات وفرض الغرامات المالية على كل من يرمي النفايات في الأماكن العامة والمتنزهات التي تعتبر المتنفس الوحيد للمواطنين، مطالباً بتشديد العقوبات وبرفع الغرامات المالية لأي مخالفة بهدف إجبار الكثيرين على الانضباط والتقيد والالتزام بنظافة الأماكن العامة والمحافظة على البيئة بشكل عام، لافتاً إلى ظاهرة تقشير لحاء الأشجار في الحدائق الأمر الذي يتسبب بموتها.
إذا كانت مديريات البيئة تتحدث عن واجبها الوظيفي تجاه حماية المرافق العامة والمحافظة على نظافة الحدائق والأرصفة، لكن ماذا عن واجب الجهات المعنية في تأمين أماكن للسياحة الشعبية الحقيقية ذات الأسعار المناسبة لجيوب أصحاب الدخل المحدود، الذين باتوا يحلمون “بشوية فرح تعينهم على هذه الأيام الصعاب؟!
ميادة حسن