بلا قيمة..؟
بشير فرزان
المشهد الاقتصادي السائد بكلّ وقائعه المؤلمة فرض إيقاعاً حياتياً صعباً على المواطن، وفي الوقت ذاته قلّل من الاحتمالات والخيارات المتاحة أمام الجهات المعنية التي باتت تعمل وفق مقولة “أحلاهما مرّ”، والأقل ضرراً، بعد أن تجاوزت التداعيات السلبية على الاقتصاد الوطني الخطوط الحمراء متخطية كلّ التوقعات والنظريات التي كان من الممكن إسقاطها وتطبيقها على واقع الاقتصاد السوري الذي يعيش اليوم امتحانا تاريخيا، فمن جهة هناك حصار جائر وعقوبات اقتصادية ظالمة، ومن جهة أخرى هناك قلة بل انعدام في الموارد الداعمة لخزينة الدولة إلى جانب ضعف متزايد في إدارة الدفة الاقتصادية.
ومن هذا الواقع الذي لا نُحسد عليه، انطلقت الجهود للبحث عن خيارات إضافية لتأمين المزيد من الإيرادات العامة في ظلّ الظروف الحالية والتحديات الراهنة، وخاصة بعد أن تسبّبت الأزمة بانخفاض حاد بموارد الدولة وبارتفاع كبير بنفقاتها، وبالتالي تفاقم عجز الموازنة إلى الحدّ الذي يتطلّب زيادة الإيرادات العامة بمختلف أشكالها وأنواعها، وتخفيض النفقات العامة ولاسيما الجارية منها حيث تعدّدت الأفكار ووجهات النظر المطروحة لسدّ العجز، والشيء اللافت في كل ما تمّ طرحه وتنفيذه من خطوات نحو تأمين طريق آمن للخلاص يتمثل بالضربات المتتالية لأصحاب الدخل المحدود الذين باتوا يدفعون فاتورة باهظة حتى يستمرون بالحياة وعلى “كفاف العيش” كما يُقال.
ولا شكّ أن بعض الأفكار دخلت حيّز التنفيذ، وبعضها الآخر في طور التطبيق، حيث تمّ رفع رسوم استصدار وتجديد جوازات السفر ورسوم الدخول والخروج من المنافذ الحدودية، وإعادة النظر بالضرائب على التركات المتمثلة بالأصول الثابتة وزيادة الضريبة على المِنح والهبات والوصايا، وزيادة الضرائب والرسوم على معاملات نقل ملكية السيارات والعقارات والأصول الأخرى ذات القيم العالية، ورفع رسوم استيراد السلع الكمالية وغير الضرورية، مثل الكحول والعطورات والدخان وأجهزة الخليوي الفخمة، وفرض ضريبة دخل تتناسب مع الدخول الحقيقية العالية لبعض الفعاليات الخدمية مثل عيادات الأطباء الاختصاصيين والمشافي الخاصة في المناطق الراقية والشركات والمؤسسات التجارية المستفيدة استثنائياً من وضع الأزمة وفرض ضرائب (مؤقتة) على الأرباح الحقيقية في الجامعات والمعاهد التعليمية والتدريبية الخاصة، ورفع سعر مادة البنزين وأسطوانة الغاز، ورفع تعرفة الكهرباء والماء (بنسب كبيرة نسبياً) للشرائح الأعلى من الاستهلاك، وزيادة تعرفة الاتصالات الخليوية والهاتف الثابت للشرائح الأعلى، ورفع رسوم التعاملات القضائية المتعلقة بخصومات الأصول والتعاملات التجارية، إضافة إلى طرح أملاك الدولة غير المستغلة للاستثمار لتأمين المزيد من الإيرادات من جهة وتحريك الأنشطة الاقتصادية وتوفير المزيد من فرص العمل، إضافة إلى ترشيد الدعم وإيصاله إلى مستحقيه والتفكير باعتماد الدعم النقدي المباشر بآليات فعالة وسهلة وسريعة.
وطبعاً كان لهذه الأفكار جدواها الاقتصادية والمالية على الخزينة العامة، لكنها لم تنعكس بأي إيجابية على المواطن في جميع المناحي والمسارات المعيشية، بل على العكس، فقد اقتصّت كافة الخطوات من دخله وجعلته “بلا قيمة”، وخاصة مع الارتفاع الجنوني للأسعار وبشكل يثبت تجاهل مصلحة المواطن الذي يحاول إخراج واقعه المعيشي من الشرنقة الرقمية التي تحاصر قروشه بأنشوطة الغلاء الفاحش، والجميع يعلم حجم الفواتير التي يدفعها سواء الصحية أو المعيشية، ومع ذلك كله فإنه لم ولا يعارض كلّ هذه الإجراءات نظراً لإدراكه خصوصية المرحلة، ولكنه بكل تأكيد لن يكون راضياً عن دفع الفاتورة كاملة من قبل الفقراء.!
بالمحصلة.. الحقائق معروفة لمن يريد أن يراها، فقلة مصادر الرزق أضعفت الدخل والقدرة الشرائية في أسواق تعاني أمراض الاحتكار والفساد الرقابي والجنون السعري، والحلول ليست مستحيلة ومتوفرة في حال توفرت الإرادة والجدية والمصداقية عند أصحاب القرار!.