الرّوبوتات مرّة أخرى
عبد الكريم النّاعم
جلس صديقي وفي وجهه ما يدلّ على أنّه يريد فتْح حديث ما، فبادرْتُه: “لديك ما تودّ قوله”.
قال: “بالفعل، لقد لفتِني ما نشرْتَه عن الروبوتات، فقلت كيف يتّسع الفضاء للكلام عن الرّوبوتات، والناس في سوريّة، تسعون بالمائة منهم صاروا دون خطّ الفقر”؟!!.
قلت: “هذا لا يتعارض مع ما ذكرت، بل هو يتقاطع معه بشكل ما، فالروبوتات تحظى باهتمام العالم كلّه، من حيث الاستخدام، ومن حيث النّتائج، ونحن، رغم ما نعانيه جزء من هذا العالم، وأشير هنا إلى أنّ أكثر من فريق سوريّ شارك في مسابقات مشهورة في أكثر من مكان في العالم، ورغم الضائقة التي تكلّمتَ عنها، فقد حقّقت هذه الفرق مراكز متقدّمة، وما نحن فيه لا يمكن أن يكون مؤبَّداً، لأنّ دوام الحال من المُحال، كما يقولون، وهنا أذكّر بأن عدداً يحتاج للإحصاء، عن السوريّين الذين ابتكروا اختراعات لم يُسبقوا إليها، وسُجّلت بأسمائهم، لحفظ حقوقهم..”.
قاطعني:” فأين تطبيقات تلك الاختراعات، وأين دور جمعيّة المُخترِعين في ذلك”؟!.
قلت: “هنا مربَط الفرَس، ففي البلدان المتقدِّمة تكنولوجيّاً، ما إن يتمّ الإعلان عن اختراع ما حتى تُبادر الشركات صاحبة المصلحة للاتّصال بالمخترِع، لتتّفق معه بشأن التّطبيق”.
قاطعني: “فأين نحن من هذا كلّه”؟!.
قلت: “للأسف يا صديقي إنّ الرأسمال الذي يملكه البعض في بلادنا، كان همّه الأوّل أن يوظّف أمواله في إنتاج المستهلَكات السريعة، والدّارة للأرباح، أي أنّه رأسمال يقدّم مصلحته الرّبحيّة على مصلحة ما يساعد على انتشال الوطن ممّا هو فيه، وهذا يعني أنّه رأسمال طفيلي، متوحّش، وضرره أكثر من نفعه، أنظر إلى الشيبس، وإلى منكّهات الطعام، وإلى معامل (العلكة)، والمشروبات الغازيّة، وأردأ أنواع (البوظة) وما شابه.
هنا اسمح لي أنّ أذكّر أيضاً بأن الغرب ما إن يسمع بمُبتكِر اختراع من بلداننا حتى يُبادر إلى الاتّصال به، عبر أقنية متعدّدة، وخبيرة، لاستدراجه إلى بلاده، والاستفادة منه، وكانت نجاحاته كبرى، وأكثر البلدان استدراجاً هي الولايات المتّحدة، حتى ليُقال إنّ تفوّقها في هذا المجال يقوم على الذين استقدمتْهم من بلدان شتّى”.
قاطعني: “ذكّرتَني بأصغر مخترع في العالم، وهو المرحوم عيسى العبود، من بلدة حديدة التابعة لمحافظة حمص، والذي اغتاله الدواعش في بداية أحداث الخراب العربي، على باب داره، في أحد أحياء حمص الشرقيّة، وهو ابن تسعة عشر عاماً، وقد بُذِلت جهود جبارة لاستدراجه للغرب، فرفض ذلك، وثمّة مَن يقول إنّ يداً إسرائيليّة، بين الدواعش كانت وراء اغتياله، فقد رفض كلّ الإغراءات التي بُسِطتْ بين يديه”.
قلت: “إنّ كلّ ما ذُكِر، فيما يخصّنا يشير إلى أنّ الدولة في سوريّة هي وحدها القادرة، وإنْ لم تكن قادرة فعليها أن تسدّ هذا الخرْق، لوضع هذه المخترَعات موضع التّطبيق، وهي ثروة لا تُقدَّر بثمن، لا تقلّ عن ثرواتنا الموجودة في باطن الأرض، والتي لم نستفد منها حتى الآن، وهذه الطاقات، إذا أُحسِن استغلالها ستكون أحد أعمدة النّهوض ممّا نحن فيه، وما أحوجَنا إلى ذلك، وهذا يدلّ على أنّ الابتكار ليس صفة خاصّة بشعب أو بأمّة، بل هو موجود في كلّ المجتمعات البشريّة، ولا تنسَ يا صديقي الطيّب، أنّ إسرائيل، التي كلّ معظَم ما نزل بنا، بسببها، تُعدّ من الدول المتقدّمة في هذا المجال، وهذا يجعل المعركة متشعّبة المَظاهر والأهداف، سواء أراد ذلك البعض أم لم يريدوه، والخطير في هذا الموضوع، ألاّ يجد آذاناً مصغية من قِبَل جهات منوط بها ذلك!.
aaalnaem@gmail.com