عن “المعابر” وإنسانيتها في الميزان الأمريكي
أحمد حسن
ربما يكشف قرار واشنطن تزويد الجيش الأوكراني بالقذائف الحاملة للقنابل العنقودية، الذي احتاج استثنائياً إلى توقيع الرئيس جو بايدن، الكثير عن الدوافع “الإنسانية” التي تقف خلف سياسات الولايات المتحدة الأمريكية ليس بشأن أوكرانيا فقط بل بشأن العالم بأسره، وهي “دوافع” يمكن أيضاً “قراءتها” بوضوح تام في سورية وقضية ما تسمّى “المعابر الإنسانية” التي يحتضن مجلس الأمن الدولي اليوم بكائية غربية جديدة وجامعة حولها.
فكلّنا يعرف أن هذه القذائف الحاملة للقنابل العنقودية التي تحرّم واشنطن، ذاتها، كما سواها من دول العالم، استعمالها وبيعها – وهو “تحريم” منافق لأن مجرّد وجودها ينفي كذبة عدم الاستعمال والبيع – ستؤدي إلى إيقاع المزيد من الضحايا بين المدنيين الأبرياء الذين ترفع واشنطن لواء الدفاع عنهم – لكن وهم قتلى على ما يبدو – لمجرد ألا تنتصر روسيا في حرب كانت واشنطن، كما يعرف الجميع، هي المُشعل الرئيس لفتيلها والمدافع الأكبر عن استمرار لهيبها مشتعلاً.
وفي سورية تتكرّر القصة ذاتها، فعلى خلفية “البكاء” الأمريكي على الإنسان وحقوقه، احتلت واشنطن جزءاً مهمّاً من الأرض السورية ثم سرقت ثرواتها ثم قرّرت لاحقاً منع قيام البلاد من أزمتها إلا بشروطها التي تدور في سياق “الإركاع والاستتباع”، وكانت المحصلة ما نراه من سعي محموم لعرقلة ومنع أي تقارب سوري – سوري أو عربي – سوري، والعمل الدؤوب على “خلق” هياكل سياسية وعسكرية جديدة والربط بينها لخلق واقع عسكري جديد، وما يجري اليوم من تحشيد لأتباع واشنطن وميليشياتها قرب الحدود السورية العراقية يُفصح عن ذلك.
وفي هذا السياق، تحديداً تندرج قصة، وقضية، ما تسمّى “المعابر الإنسانية”، التي لا يمكن أبداً فهم الموقف الأمريكي منها إلا بكونه يندرج في سياق الإصرار على رفض سيادة سورية على أراضيها وحدودها الدولية من جهة أولى، واستخدام “المعابر” التي تقع تحت سيطرة عملائها، من جهة ثانية، في مهام لا تعرفها “الإنسانية” الحقّة بالطبع.
والحال أن تلك القضية كلها، أي قضية “المعابر” التي تشغل “بال” مجلس الأمن الدولي و”تُقلق” المجتمع الدولي دورياً، هي قضية زائفة ومضلّلة بالأصل، لأنها لم تكن لتُطرح أصلاً لولا “الخطيئة الأصلية” المتمثّلة بالاحتلال الذي يحمي الإرهاب ودعاة الانفصال في “كانتونات” معيّنة يسعى لشرعنتها، وحين يزول هذا الاحتلال تزول معه ملحقاته وقضاياه ومنها قضية “المعابر”، وبالتالي يُفترض بمجلس الأمن الدولي، و”جماعة الإنسان” المنافقة فيه، مناقشة الأصل، أي الاحتلال وخطيئته، واتخاذ موقف قطعي منه يتسق مع سبب وجود “المجلس” ذاته، لا تقديم مشاهد “هوليودية” دورية يبرز فيها مانح القنابل العنقودية في مكان كبطل مدافع عن الإنسان وحقوقه في مكان آخر!، كما أن على “المجلس الكريم” مناقشة، ولو مرة واحدة، المفارقة المتمثّلة بأن هذا “المدافع” عن “المعابر” وإنسانيتها هو ذاته من يخنق سورية كلّها، وناسها وشعبها كله، عبر عقوبات اقتصادية جائرة وغير شرعية، ويمنع كل من يحاول مساعدتها، ولو بالغذاء والدواء، مهدّداً إياه بكل الطرق والوسائل الممكنة.
خلاصة القول، لولا الاحتلال لما كانت قضية “المعابر” مطروحة، لكن سورية التي لم تنتظر يوماً أن يستفيق ما يسمّى المجتمع الدولي بادرت سابقاً إلى فتح معابر جديدة مع بعض شعبها الموجود في ظل احتلال الإرهاب وحماته تسهيلاً لمرور المساعدات إليه، وهي تطمح إلى جعل سورية كلها معابرَ للشعب حين يخرج الاحتلال منها، وحينها لن يكون لـ “قضية” ولا لـ “إنسانية” واشنطن من أساس وضرورة على الإطلاق.