الولايات المتحدة غير مستعدة لحقبة ما بعد الغرب
عناية ناصر
أشار مقال نُشر مؤخراً في مجلة “فورين أفيرز” إلى أن العالم يدخل “حقبة ما بعد الغرب”، وفي حين تستعد الصين ودول أخرى لوصول نظام ما بعد الغرب، إلا أن الولايات المتحدة لا تزال راكدة. إن عالم اليوم غارق في وضع صعب، والاضطراب والتجزئة هي من السمات البارزة التي يميل المراقبون إلى استخدامها لتعريفه.
عادت الصين للظهور كقوة رئيسية في العقود القليلة الماضية، بوصفها ثاني أكبر اقتصاد، كما أظهرت حضوراً أكبر من أي وقت مضى على المسرح العالمي، وبدأ الكثيرون في مناقشة دور الصين في العالم.
لقد تم إنشاء النظام العالمي الحالي وتطويره وفقاً لخطوط التفكير الغربية. ومع التراجع النسبي لأوروبا والولايات المتحدة من حيث القوة والتأثير، لا بد أن يكون النظام العالمي مختلفاً عن ذي قبل. وعلى ضوء تحول العالم تدريجياً نحو “نظام ما بعد الغرب”، يحتاج العالم إلى “نظام” جديد وعقلاني.
إن التزام الصين طويل الأمد بالتنمية السلمية، والمبادئ الدبلوماسية أكسبها مصداقية دولية متزايدة، حيث تعتبر العديد من الدول الصين محركاً رئيسياً في تعزيز نظام سياسي واقتصادي دولي عادل ومعقول. ومع ذلك، من الواضح أن الغرب يجد صعوبة في الجلوس مكتوف الأيدي، كما أن السمات الثقافية للغرب تحدد أيضاً أنه لا يمكنه تحمل “ألم” التنمية السلمية للبلدان الأخرى.
عملت الولايات المتحدة بشكل كبير على تعزيز قوتها العسكرية، وقوتها الوطنية الشاملة من خلال حربين عالميتين. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص، تم تدمير القوى الغربية التقليدية أو إضعافها بسبب الحرب، مما أدى إلى فترة وجيزة من “العالم أحادي القطب” الأمريكي.
حاولت الولايات المتحدة لمواجهة التعافي السريع وصعود الاتحاد السوفييتي، وبالاعتماد على قوتها القوية ونفوذها، إعادة بناء العالم الغربي، أي من خلال منح المساعدة لأوروبا والدول النامية الأخرى. وقد قامت بذلك ليس من منطلق أممية حقيقية، ولكن للحفاظ على موقعها المهيمن بعد الحرب العالمية الثانية، ورداً على تحديات الاتحاد السوفييتي.
يمكن ملاحظة أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وخاصةً بعد نهاية الحرب الباردة، سعت الولايات المتحدة إلى الحفاظ على ميزتها المطلقة، وإرساء الهيمنة الأمريكية على العالم بأسره، كان حشد الحلفاء والشركاء بشكل نشط هو وسيلة وطريقة مهمة لتحقيق ذلك. وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، استمرت الولايات المتحدة في القيام بذلك، حيث كانت تروج بقوة للقيم الغربية، والأنظمة السياسية للتمييز بين “نحن” و “هم”.
تروج الولايات المتحدة لـ”نظرية التهديد الصيني”، بينما تسيء أو تتجاهل بعض المبادرات والمقترحات الصينية الهادفة إلى تعزيز التنمية السلمية والتعاون المربح للجانبين، وهذا يعكس القلق الاستراتيجي للولايات المتحدة في مواجهة صعود الشرق وانحدار الغرب، الأول هو القلق من موقعها المهيمن، والثاني القلق بشأن النظام الدولي الذي تقوده.
منذ تأسيسها، دعت جمهورية الصين الشعبية دائماً إلى المساواة بين الأمم، وعالم يسوده التناغم في التنوع، وإرساء الديمقراطية وسيادة القانون في العلاقات الدولية، حيث تدرك الصين جيداً التحديات التي يمكن أن يجلبها العالم الفوضوي إلى أي بلد. تعرضت الصين منذ العصر الحديث للغزو من قبل القوى الغربية، وفي مواجهة الأزمة أظهر الشعب الصيني وحدة وطنية قوية ووطنية.
تنعكس الاختلافات في وجهات النظر الدولية بين الصين والولايات المتحدة أيضاً في قضية الحرب بين روسيا وأوكرانيا. لم يتفكك الناتو، بقيادة الولايات المتحدة، بعد نهاية الحرب الباردة، بل توسع باتجاه الشرق عدة مرات، واستمر في الضغط على الفضاء الاستراتيجي لروسيا. إن تصرفات الولايات المتحدة الخارجية تعكس تفكيرها الاستراتيجي الذي يعطي الأولوية للهيمنة الأمريكية والتفوق الغربي.
يؤكد ما يسمى بالنظام الدولي القائم على القواعد للحفاظ على مصالحه على مجموعة من القواعد التي صاغها الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، وهي تهدف من خلال القيام بذلك إلى الحفاظ على الهيمنة طويلة المدى للغرب، وخاصة الولايات المتحدة، أو ضمانها، والسيطرة على نظام دولي مؤات لها، وتشكيله وفقاً لأهوائها.
تؤكد الصين الحاجة إلى دعم سيادة ومصالح كل من أوكرانيا وروسيا في الصراع الروسي الأوكراني، وهي تتخذ موقفاً موضوعياً في هذا الصراع، إضافةً إلى أنها تدعم نظاماً دولياً قائماً على ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، وتعارض الهيمنة الغربية وسياسات القوة.