تخوف من التشاركية بعد تجارب غير مشجعة.. كيف سيخرج القطاع العام الصناعي من أزماته؟
دمشق – ريم ربيع
لم يخرج القطاع العام الصناعي رغم أكثر من عقدين من التدهور، من إطار الدراسة والتوصيف والتحليل ولجان الإصلاح، دون الشروع بأية حلول حقيقية على أرض الواقع، حيث تعقد الورشات والمؤتمرات، وتخرج بمقترحات وتوصيات واقعية وقابلة للتطبيق، إلا أنها تبقى حبيسة الأدراج وصفحات الجرائد والمجلات، فرغم أعوام من الدراسة والتوصيف، لا تزال عقبات القطاع التي أصبحت معروفة لأصغر عامل بعيدة عن المعالجة وتتفاقم عاماً تلو الآخر.
وفي محاولة جديدة من اتحاد العام لنقابات العمال أعيدت أوراق تشغيل القطاع إلى طاولة نقاش ضمت مزيجاً من النقابيين والخبراء والفنيين والمسؤولين بقطاع الصناعة، لتوصيف الواقع من جديد وكيفية الخروج بمقترحات للإصلاح وإعادة الاقلاع، إذ أكد رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال جمال القادري أن الأولوية يجب أن تعطى دوماً للاقتصاد الحقيقي (الصناعة والزراعة)، وليس الاقتصاد الريعي، مبرئاً الحر.ب هذه المرة من تحميلها كامل مشكلات القطاع العام، التي بدأت فعلياً منذ نهاية التسعينات، حيث كانت الصناعة تأخذ البعد الاجتماعي والتشغيلي بالدرجة الأولى، بغض النظر عن الربح والجدوى الاقتصادية، مما جعل لدينا بنية هائلة للقطاع العام الصناعي، لكن دون مردود.
أما الآن، وبعد أن تهالكت الآلات، أصبح القطاع العام –والحديث للقادري- يريد العمل وفق أسس ربحية بحتة، كانت تتطلب بدايةً تهيئة بيئة ملائمة وبنى تحتية، كما أن التحدي الآخر للقطاع العام كان عام 2005، حين وقعت اتفاقية منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى، فأصبحنا نرى سلع يزوّر فيها بلد المنشأ، وتدخل معفاة من الجمارك، مما وضع القطاع العام أمام منافسة غير عادلة، تلاها اتفاقية تحرير التجارة مع تركيا 2006، حيث بدأ تدفق السلع بشكل هائل، مما أثر على الصناعة عموماً، وتوقفت 6000 منشأة تريكو وألبسة بعدها.
توطين صناعات استراتيجية
وزير الصناعة الدكتور عبد القادر جوخدار أشار إلى تصنيف الصناعات بالقطاع العام الصناعي لصناعات خفيفة، وأخرى متوسطة واستراتيجية يجب أن تبقى بملكية الدولة، مع التوجه لتوطين صناعات استراتيجية تكون للدولة اليد الطولى فيها، لافتاً إلى اعتماد توطين خطوط إنتاج صناعات الكترونية تغطي حاجة سورية، وستتخطى القيمة المضافة من 40 إلى 80%، وكذلك الوزارة بصدد دراسة تطوير الصناعات الداخلة بالطاقات المتجددة، وصناعة عدادات الكترونية شبكية لتزويد وزارة الكهرباء بها، كاشفاً عن العمل لتأمين وسائل نقل فردية كهربائية، وكذلك وسائل نقل بضائع كهربائية، وصولاً للجرار الكهربائي الزراعي.
وأشار جوخدار إلى التوجه لزيادة الإنتاج من خلال مكافحة الهدر، واعتماد منظومة الرقمنة الصناعية بدايةً من المؤسسة الغذائية، وتطوير خطوط الإنتاج.
غير مشجعة!
ورغم أن الورشة تتضمن كافة جوانب تشغيل القطاع، إلا أن التشاركية استحوذت على الحيز الأكبر من النقاش، مع ما أبداه كثيرون من تذمر تجاه آلية تطبيقها، خاصة وأن معظم تجارب التشاركية التي طرحت لم تكن نموذجاً يحتذى به بعد التقييم، فيما كشف الخبير الصناعي فؤاد اللحام أن المسؤولين يخافون من تهمة الخصخصة لشركات القطاع العام، علماً أن بداية التشاركية كانت من قبل صدور القانون، فيما تبين أن المشاكل كانت بآليات التطبيق، مشيراً إلى ضرورة وضع رؤية للمشاريع التي يجب التركيز عليها حالياً وتطويرها أو عرضها للتشاركية.
بدوره شدد القادري أن القطاع العام ليس “مال سايب” حتى لا نقوم بتقييم أي مشروع تشاركي، فعقدي الأسمدة والمرفأ كلاهما لم يحققا الشروط، وكذلك تجربة الاتصالات التي لاتزال تدار بعقلية حكومية ليست نموذجاً صحيحاً، وإن لم تقدم التشاركية تقانة جديدة أو تطوير بالعمل فهي عملية نصب موصوف، مؤكداً أن القطاعات الاستراتيجية يجب أن تبقى بيد الدولة، أما النظر للقطاع الخاص على أنه “المخلّص” فهو أيضاً أمر خاطئ كونه يواجه تحديات كبيرة بدوره، كما أنه نشأ وكون ثرواته في ظل القطاع العام ومستفيداً من فساده! فهو لن ينقذ الصناعة، فيما أكد جوخدار أنه لا مصلحة للقطاع العام بالتشاركية بشركات رابحة كالاسمنت والكابلات.
سخاء لم يستثمر
مدير مؤسسة الصناعات الهندسية عبد الله نعمة بيّن أن الدولة قدمت حتى عام 2018 احتياجات المعامل بالقطع الأجنبي، وكانت “سخية” بتلبية المتطلبات، لكن لم نستغل هذه الفرصة جيداً، لتبدأ بعدها الأزمة الاقتصادية وصعوبة تأمين التمويل الكافي للصناعة، فيما أوضح مدير مؤسسة التبغ محسن عبيدو أنه بظل التنمية الإدارية الحالية نحن بعيدون عن تحديث عمالتنا الكهلة، كما أن الآلات متهالكة ومصادر الطاقة غير مستقرة، وتستورد المؤسسة 70 مادة تدخل بصناعة السيجارة، فضلاً عن صعوبة تأمين المواد الأولية وإحجام المزارعين عن العمل، معتبراً أنه حتى دخول القطاع الخاص لن ينقذ المؤسسة مما هي فيه.