مقتل “المهاجر” لا يخفي نيّة واشنطن
طلال ياسر الزعبي
كعادتها تحاول الإدارة الأمريكية استغباء العالم وتجهيله من خلال مجموعة من الروايات الهوليودية التي تطلقها بين الفينة والأخرى، حيث زعمت مؤخراً أنها قضت على أحد قادة تنظيم “داعش” الإرهابي المدعو “أبو أسامة المهاجر”، وهو أمريكي، في غارة شنّتها طائرات مسيّرة أميركية من طراز “ريبر”، تعرّضت خلال عملية البحث عنه لـ”مضايقات من الطائرات الروسية استمرّت ساعتين”، لتتمكّن لاحقاً من رصده وقتله، حيث كان على متن دراجة نارية في ريف حلب الخاضع أصلاً لسيطرة تنظيم إرهابي آخر.
والغريب في الأمر أن الحديث يدور عن أن الإرهابي “كان ينشط عادة في شرق سورية، لكنه وقت تنفيذ العملية وُجد في شمال غربها”، وهذا يضع علامة استفهام حول كيفية تأكّد الجيش الأمريكي من أن المستهدف هو المهاجر ذاته.
وقد ادّعى مسؤولون أمريكيون أن الطائرات المسيّرة لا تُسلّح عادة، لكنها كانت تحمل أسلحة أثناء المطاردة، بمعنى أنها تتبّعته مئات الكيلومترات لتصطاده في حلب، وهي رواية شكّك العديد من المراقبين في صحّتها، وخاصة أنها جاءت في منطقة التدريبات الجوية التي كان يجريها سلاحا الجو الروسي والسوري، كما أن مسألة تحديد هوية المستهدف بقيت من الأسرار الخفيّة التي تحتفظ فيها واشنطن لنفسها، فإذا كان الاحتلال الأمريكي يتعقّب الهدف كما زعم من منطقة دير الزور، فلماذا انتظره حتى يصل إلى تلك المنطقة البعيدة نسبياً، وذلك في انتهاك منهجي للبروتوكولات التي تم الاتفاق عليها لتجنّب الاشتباك مع الجيش الروسي.
وأما إذا كان يعتمد في معلوماته على عملاء موجودين على الأرض، فكيف تسنّى لهؤلاء تحديد هوية المستهدف بالفعل، وهو الذي حسب المتعارف عليه في تنظيم “داعش” لا يمكن الوصول إلى هويّته الحقيقية دون إقراره هو ذاته بذلك؟.
وحقيقة الأمر أن الإدارة الأمريكية وجدت نفسها عارية أمام الرأي العام العالمي بعد أن افتضحت حقيقة إصرارها على احتلال منطقة الجزيرة السورية الغنية بالنفط والغاز، وسرقتها لهاتين المادتين، بالإضافة إلى القمح السوري، ونقلها إلى قواعدها في العراق بطريقة غير شرعية، وبالتالي فإن عليها أن توجد ذريعة للتغطية على جرائمها المرتكبة في تلك المنطقة عبر إعادة إحياء دورها المزعوم، وهو أكذوبة محاربة “داعش” التي تمّت تعريتها غير مرّة من خلال تأكيد الدور الذي تلعبه ما تسمّى قوات التحالف في تأمين التغطية الجوية لهذا التنظيم لمهاجمة الجيشين السوري والروسي والقوات الحليفة لهما.
ولكن ما لم تستطع الإدارة الأمريكية إخفاءه هو دورها القذر في تجميع مجموعات إرهابية تابعة لتنظيم “داعش” الإرهابي وغيره في قاعدة التنف التي تحتلها وتدريبهم وتوجيههم من هناك لشنّ الهجمات على القوات السورية والروسية وعلى المواطنين السوريين في باديتي حمص وحماة، في محاولة للسيطرة على جميع المعابر الحدودية التي تربط سورية بالعراق وقطع أيّ وسيلة للتواصل بينهما، ولاستكمال خنق سورية من الشرق، بعد أن أدّت تركيا المهمّة ذاتها في الشمال.
وفي المحصّلة، لا تستطيع الإدارة الأمريكية التي اعترفت أصلاً بأنها صنعت تنظيم “داعش” الإرهابي وسلّحته ودرّبته وموّلته، أن تتنصّل بشكل مفاجئ من هذه الحقيقة، عبر إرسال إرهابي وتأمين تغطية جوية كاملة له حتى وصوله إلى المكان الهدف ثم قتله والادّعاء أنها ما زالت ملتزمة “بهزيمة داعش في جميع أنحاء المنطقة”، وهذا هو دأبها مع جميع الإرهابيين الذين تتخلّص منهم ببساطة لمجرّد الوصول إلى غايتها في التضليل عبر روايات سخيفة كهذه.