أديبات كتبن بأسماء مستعارة
سلوى عباس
الكتابة حالة أشبه بالتعري تتطلب الجرأة، ففي منتصف الخمسينات، نشطت الحركة النسوية في العالم العربي، ونشر الكثير من الكاتبات الرواية والقصة القصيرة والشعر، وعلى الرغم من التطوّر الحضاري والعولمة، إلا أن كاتبات العالم العربي كتبن بأسماء مستعارة في هذه الفترة، فكتبت مي زيادة بعدد من الأسماء المستعارة، كـ “عائدة” و”إيزيس كوبيا”، وكانت أوّل امرأة تكتب في جريدة “الأهرام”، أمّا الثانية فكانت “بنت الشاطئ”، وهي الكاتبة المصريّة عائشة عبد الرحمن، الّتي اختارت هذا الاسم في إشارة إلى طفولتها في بلدة دمياط على شاطئ النيل، أما الأديبة السورية مقبولة الشلق، فكانت أول امرأة سورية تنال الإجازة في الحقوق، وكانت تنشر قصصها ومقالاتها باسم “فتاة قاسيون”، وقد ظلت أغلب الكاتبات اللواتي يعشن في العالم العربي يرمزن إلى الموضوعات المحرمة في كتاباتهن، وهذا يعود إلى الفرق الكبير بين هامش الحرية الذي تكتب به النساء القاطنات في العالم العربي والهامش لدى الأديبات العربيات المغتربات.
في ثمانينيات القرن العشرين كتبت الأديبة أنيسة عبود بأسماء مستعارة علماً أن كاتبات واجهن المجتمع سبقنها إلى الكتابة، وعندما سألتها عن السبب أجابت: بالنسبة للكاتبات اللواتي واجهن المجتمع قبل جيلنا خرجن للمجتمع بعد أن أنهين دراستهن الجامعية، أو أنهن كنّ على مستوى من النضج الزمني والفكري، والأمر الآخر أن معظم هؤلاء الكاتبات خرجن من المدينة، أي لديهن القدرة على الوصول إلى وسائل الاعلام والالتقاء بالأدباء الذين يمكن أن يتبنوا موهبتهن وتجربتهن أكثر، إضافة إلى أنهن خرجن من بيئات تدعم المرأة وتعترف بها نوعاً ما، فمثلاً لا يمكنني أن أقارن تجربتي بتجربة الأديبة كوليت الخوري، فهي عاشت في بيئة تؤمن بحرية المرأة وتدفع بكتابتها، أما أنا فقد خرجت من الريف، وكنت أصغر فتاة في القرية، وكانت لدي أفكار أرغب بالتعبير عنها بالكتابة، ولا أستطيع إعلان هذا، لأنه لديّ عشرة إخوة، وكما قلت الكتابة حالة عري، فلنفترض أني سأكتب قصة حب، هذا يعني أنهم سيسقطونها عليّ والأمر ذاته في القصيدة أو اللوحة سيكون هناك التفسير نفسه وسأخضع لمحاكمة، وقد أشرت إلى هذا الأمر في كتاباتي، فهم يستجوبونها لتعترف بما لديها، لذلك رأيت أن أسهل طريقة للابتعاد عن هذه المواجهات أن أكتب بأسماء مستعارة، ومن الأسماء التي استعرتها اسم عشتار، وربما يعود السبب لطموحي للخلود مثلها، ورأيت أن الكتابة تخلدني، لكن بعد أن أثبت موهبتي ونضجت تجربتي، تحديت واستطعت أن أواجه الجميع، ففي المجتمع الذكوري لا يمكن لأي امرأة أن تستمر إذا لم يعترف الرجل – بغض النظر عن تسميته- بموهبتها حينها فقط تستطيع السير في الخط الذي اختارته.
وكما كثير من الأديبات العربيات وقّعت الشاعرة والأديبة أحلام غانم كتاباتها الأولى باسم “جلنار البحر”، علماً أننا نقرأ في كتاباتها الكثير من الجرأة وهنا يحضر السؤال عن سبب عدم ذكرها لاسمها الصريح إذا كان خوفاً من المحيط؟ أم قلة ثقة بما تكتب أم أن هناك أسباباً أخرى فأجابت: “لم يكن التخفي خلف الاسم المستعار ظاهرة ضعف أو قلة ثقة أبداً، بل مواجهة الخوف للخوف على هذه الذاكرة التي ترى الأنوثة في خانة الضحية والتي تواجه كل ذلك خوفاً على بكارة الأشياء في الروح، ولا أخفيك، آنذاك كنت أشعر فعلاً أنني زهرة الجلنار اليتيمة الغريبة المكسورة الخاطر على شاطئ الشعر، ووجدت التخفي نجاة من قول الحقيقة وطريقاً للهروب من غضب إله البحر والمواقف الصعبة التي كرهت أحلام روحي أن تدخل فيها فيكلفها ذلك شجاعة لا تستطيع أن تدفع ثمنها، لذلك لم تكن جلنار سوى ساعي بريد يحمل رسائل الحب والوطن، حيث لا تغفل جلنار عن تلك الذات الأنثى وخطابها المفتوح إلى العالم، فنحن نصنع الأسماء وليست الأسماء من تصنعنا”.. رغم وجود رقيب داخلي حازم على كتاباتي بشكل أو بآخر، ولا أتجاوز قيمي الخاصة مطلقاً، لأني إنسانة سورية وأديبة صادقة ولو ارتديت مليون طاقية إخفاء أو تخفيت بين أجنحة مليون طائر كلام، لا يمكنني أن أكون خائنةً لوطني أو لإنسانيتي أو لقلمي.