الجزائر- إيران.. علاقات في مسارها الصحيح
ريا خوري
على وقع إلغاء التأشيرات الدبلوماسية بين جمهورية إيران الإسلامية، والجزائر، فإن العلاقات بين البلدين في مسارها الصحيح، خاصةً وأنه جرت مباحثات عميقة بين إيران والجزائر على جميع المستويات، منها على مستوى رئيسَي البلدين ووزراء الخارجية.
لقد شهدت العلاقة بين الجزائر وطهران توافقاً كبيراً تجاه الكثير من الأحداث الدولية، وتطابقاً في قضايا أخرى عديدة، ويرجع ذلك لمنهجهما الثابت والقويّ والرافض للهيمنة والاستبداد الغربي الأمريكي– الأوروبي. كما يعود هذا التقارب إلى تاريخٍ طويل في العلاقة الثنائية، إذ تعدُّ إيران من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال الجزائر عن الاحتلال الفرنسي عام 1962، وتمّ فتح سفارة لها عام 1963، تلا هذه الخطوة فتح سفارة الجزائر بإيران عام 1966. ومن أهم الخطب التي ألقاها الإمام الخميني مع عودته من باريس إلى طهران، تلك التي طلب فيها من الإيرانيين الاقتداء بالثورة الجزائرية التي ربطت بين الجهاد الأصغر ضد الاستعمار، والجهاد الأكبر ضد التخلف.
كانت العلاقات الدبلوماسية قد تُوّجت بين البلدين بالوساطة الجزائرية في عهد الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين عام 1975 بين العراق وإيران في الصراع الحدودي بشأن شط العرب، وعرف ذلك باتفاقية الجزائر. ونجحت الوساطة الجزائرية أيضاً في إيجاد حلّ سلمي للأزمة الإيرانية الأمريكية سنة 1980، كما أن إيقاف حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران عام 1988 كان برعاية جزائرية بحتة. كما ازدهرت العلاقات الجزائرية- الإيرانية بعد وصول الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة إلى سدّة الحكم عام 1999، والتي كان من نتائجها أن دافعت الجزائر عن حق طهران في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية.
من القضايا المهمّة التي تخصّ البلدين هي القضية الفلسطينية التي تعتبرها جمهورية الجزائر من القضايا المركزية، كما تعتبرها جمهورية إيران كذلك، وهما لا يتوانيان عن تقديم الدعم اللا مشروط للقضية الفلسطينية باعتباره ركناً أساسياً للسياسة الجزائرية، والسياسة الخارجية الإيرانية، إذ يتمّ تقديم الغالي والنفيس للشعب الفلسطيني الذي بلغت مظلوميته كلّ المسامع، فدعمته بالمال والعتاد، وإيصال صوته في المحافل الرسمية والدولية. وقد أخذ كلا البلدين عهداً على نفسيهما بعدم التواني عن هذا النهج قيد أنملة حتى بلوغ الشعب العربي الفلسطيني الأعزل مرامه وتحقيق استقلاله التام غير المشروط. ناهيك عن التوافق على عودة سورية إلى جامعة الدول العربية كونها من الدول المؤسسة للجامعة ولها دور مركزي عربي كبير، ورفض منح الكيان الصهيوني صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي.
أما بخصوص الشراكة الاقتصادية بين البلدين، فقد عُقد أول اجتماع للجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين في شهر كانون الثاني عام 2003 في الجزائر، أسفر عن توقيع البلدين خمس اتفاقيات تعاون في مختلف المجالات الاقتصادية لتعزيز الشراكة. وقبلها خلال اجتماع اللجنة الذي عُقد نهاية عام 2015، تمّ الاتفاق على أن الشركات الإيرانية مستعدة للاستثمار في الجزائر، وتمّ الاتفاق على إقامة شركات مشتركة بين الطرفين لأجل الدخول إلى السوق الإفريقية، وتمّ توقيع 19 مذكرة تفاهم، 15 منها في مجال صناعة السيارات وقطع الغيار في شهر أيّار من العام 2016، إضافة إلى الاتفاق حول الصحة الحيوانية، وتطوير النشاط الاقتصادي والصناعات الصغيرة والمالية، والتعاون القضائي، والتعليم العالي بالمناطق الصناعية، والاستثمار المشترك في قطاع البتروكيمياويات. وفي السنوات الأخيرة، فاق عدد الاتفاقيات المبرمة سبعين اتفاقية، تغطي مختلف مجالات الحياة في البلدين.
يُذكر أن إيران تمتلك استثمارات كبيرة في الجزائر، أهمها مصنع للسيارات للمجموعة الصناعية إيران خودرو، والمعروفة باسم “IKCO”.والتي كان لها رواج كبير.
لقد أكد رضا عامري، سفير جمهورية إيران الإسلامية في الجزائر، لدى اجتماعه مع وزير الطاقة الجزائري مصطفى قيطوني، استعداد بلاده لتطوير التعاون النفطي، وتنفيذ مشاريع كبيرة مشتركة بهذا القطاع مع الجزائر، والعمل على تطور العلاقات الثنائية بمختلف المجالات، ومنها التعاون البنّاء بمنظمة الدول المصدّرة للنفط “أوبك”.
الجديرُ بالذكر أن اعتماد الموازنة الجزائرية على العوائد النفطية يعتبر من الدرجة الأولى، وهذا ما دفع القيادة الإيرانية للتأكيد على استعدادها لنقل تجاربها الناجحة للجزائر في هذا المجال، كون إيران فيها شركات ضخمة متخصّصة في بناء مصافي النفط، ومحطات توليد الكهرباء وصيانتها وصناعة قطعاتها. مع العلم أنّ الجزائر أيضاً تملك الخبرات الواسعة في مجال الطاقة، وتحديداً في مجال النفط والغاز كونها تعتمد على برامج تتعلّق بتخفيض الاعتماد على العوائد النفطية، وأن الإفادة من تجارب إيران أيضاً مدرج على جدول الأعمال، لذا كان من الضروري التعبير عن اهتمام وأهمية لجنة الطاقة المشتركة بين البلدين، والاستعداد لتفعليها.