الذكاء الاصطناعي.. الولايات المتحدة تحارب طواحين الهواء
عناية ناصر
وجّهت الولايات المتحدة، التي كانت في حالة هستيرية بشكل مستمر بسبب عدم قدرتها على حلّ المشكلات الداخلية بشكل فعّال، أنظارها الآن نحو الذكاء الاصطناعي. فوفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن إدارة بايدن في صراع مع كيفية تحديد، وتعريف الذكاء الاصطناعي الذي يشكّل تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة، ولذلك فهي تتحرك للحدّ من الاستثمار في شركات التكنولوجيا المتقدمة في الصين.
تعتقد الولايات المتحدة أنه يجب أن تقلق بشأن استخدام الصين للذكاء الاصطناعي لتعزيز قوتها العسكرية، وهي تركز مرة أخرى على الذكاء الاصطناعي باعتباره تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة. وهناك تقارير تشير إلى أن إدارة بايدن قد تصنّف “الذكاء الاصطناعي” كفئة تقنية منفصلة، وتحاول تقييده من خلال الأدوات التقليدية مثل العقوبات، وضوابط تصدير التكنولوجيا. وهذه سمة أخرى للحكومة الأمريكية الحالية الجاهلة والحريصة على إظهار قدراتها المزعومة.
قال الباحث مارتن تشورزيمبا، من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: “إن الذكاء الاصطناعي هو من نواح كثيرة فئة لا معنى لها، فهو يشمل كلّ شيء من خوارزميات توصيات شركة “نتفليكس” الترفيهية الأمريكية، إلى أنظمة الأسلحة المستقلة، ومجموعة من الأشياء بينهما، ومن الصعب للغاية تحديد ذلك”.
قد يبدو تطور الولايات المتحدة غير متوقع، لكنه يمكن التنبؤ به أيضاً، فوفقاً لبحث حول تراجع الهيمنة في نظرية العلاقات الدولية الغربية، فإن الخطر الأمني الأكبر الذي يواجهه نظام دولي تهيمن عليه دولة مهيمنة هو أن الهيمنة، بعد الاعتراف بانحدارها الحتمي، تصبح حسّاسة وهشّة. ومن ناحية أخرى، ستكون القوة المهيمنة أكثر تصميماً على ترسيخ نفسها كقوة مهيمنة مقارنة بما كانت عليه عندما كانت في أوجها، وبالتالي إنشاء معايير أمنية ذات خصائص نموذجية لـ”الأمن المطلق”. وستكون غير متسامحة بشكل خاص مع القفزات الجديدة في المجالات التكنولوجية غير المألوفة. هذه القفزة لا تهدّد حقاً مكانة المهيمن، ولكنها تخلق حالة نفسية دون المستوى الأمثل تجعلها غير قادرة على تحمّل أي شك محتمل، وسيؤدي ذلك إلى تسريع الهستيريا العامة على مستوى صنع القرار في الدولة المهيمنة.
من ناحية أخرى، يكمن الجذر الحقيقي لانحدار أي دولة مهيمنة في آلياتها المتأصلة ونظام الهيمنة الذي أنشأته. وفي حالة الولايات المتحدة، فإن بناء الهيمنة المالية العالمية، التي كانت في حالة تدهور عام بشكل مطرد، وكذلك تفريغها من القوى المهيمنة وشركائها الرئيسيين في قطاع التصنيع، هما السبب الأساسي للركود المهيمن. وهذا الوضع يماثل نظرية “وحيد القرن الرمادي” الحقيقي الذي يدركه مستوى صنع القرار في الدولة المهيمنة جيداً، ولكنه لا يجرؤ على التوقف عنده وإيجاد الحلول له. ولذلك، ستسعى الدولة المهيمنة بشكل طبيعي إلى قضايا، وأهداف بديلة لتحويل التناقضات المحلية إلى الخارج، بالإضافة إلى إعادة تجميع القضايا الحقيقية.
يشبه تعريف الحكومة الأمريكية للتهديد الأمني الذي يشكله الذكاء الاصطناعي إلى حدّ كبير محاربة دون كيشوت لطواحين الهواء في عصر تكنولوجيا المعلومات. وفي هذا الإطار تشكل الولايات المتحدة تهديداً كبيراً للعالم، وعقبة رئيسية أمام تطوير تكنولوجيا وصناعة الذكاء الاصطناعي.
يشير ما يُسمّى التهديد المزعوم للولايات المتحدة الحالية، والتي تبدو عدوانية ظاهرياً، لكنها في الواقع تواجه فقداناً مستمراً للثقة وانعدامها في الفوز بالمنافسات بالوسائل العادية. وبدلاً من ذلك، يعتمدون على “القضاء على جميع الخصوم”، وعدم السماح للآخرين بالمنافسة. يبدو أن الولايات المتحدة تستهدف الصين “فقط” ظاهرياً، لكنها في الواقع تستهدف أي دولة قد تتفوق عليها.
بعبارة أخرى، يمكن استخدام جميع الأساليب التي تستخدمها الولايات المتحدة لقمع الصين اليوم ضد أي دولة أو منطقة في العالم فيما بعد. وبالمثل، يمكن تطبيق جميع التكتيكات التي تستخدمها الولايات المتحدة لتأمين الذكاء الاصطناعي اليوم، وحتى شيطنته على أي مجال أو ابتكار تكنولوجي عالمي غداً. وهذا تهديد مشترك لتحقيق التنمية المستدامة، وبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، لأن دولة مهيمنة أعلنت صراحة أن العالم يجب أن يحذو حذوها، وإذا لم تستطع القيادة، فلن يتمكن العالم من المضي قدماً.
يشير ما يُسمّى بالعقبة إلى التناقض الحالي بين استراتيجية الولايات المتحدة، والاحتياجات المتأصلة في تطوير الذكاء الاصطناعي. إنه في الواقع نتاج لأبحاث نظرية فائقة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، والتطور الهائل لتكنولوجيا المعلومات في التطبيقات الهندسية من السبعينيات حتى يومنا هذا، والقفزة غير المسبوقة في التكامل العالمي لآليات السوق بعد نهاية الحرب الباردة.
تنخرط العديد من البلدان، في منافسة شرسة ومنظمة على أساس مزاياها النسبية، وتحويل الابتكار باستمرار إلى تطبيق على نطاق عالمي، وهذا هو القانون الأساسي لتقدم الذكاء الاصطناعي، ومعظم البحث العلمي والتكنولوجي والتنمية للبشرية.
إن ما تفعله حكومة الولايات المتحدة الحالية، سواء عن قصد أو بغير قصد، هو في الأساس تحدي وتشويه هذا القانون، وعرقلة هذه العملية التاريخية من أجل الحفاظ على ميزتها المهيمنة. وبغضّ النظر عن حقيقة أنه لا توجد دولة ذات سيادة حقيقية ستقبل مثل هذه المطالب غير المعقولة من حيث التطور التكنولوجي البحت، فإن تصرفات الحكومة الأمريكية هي مثال كلاسيكي لعملاق احتكار يحاول استخدام ميزته الاحتكارية للحفاظ على موقعه الاحتكاري وعرقلة الابتكار التكنولوجي.
إن الانخراط في أفعال من المعروف أنها خاطئة وأكثر إضراراً، مثل “شرب السم لإرواء العطش”، لا يعكس القلق والتحديات والتأثيرات التي تواجهها الولايات المتحدة في مواجهة التراجع المهيمن فحسب، بل ويطرح أيضاً أسئلة جديدة أمام المجتمع العالمي حول كيفية الاستجابة بشكل فعّال، فكيف يمكن تجنّب ترك التدهور الهستيري للهيمنة يدمّر التنمية المستدامة العالمية في عصر الذكاء الاصطناعي؟. وكيف يمكن ضمان استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل جهات فاعلة مسؤولة بدرجة أكبر عن السلام والأمن والتنمية على الصعيد العالمي؟.
يتطلّب الأمر من جميع الأطراف اتخاذ إجراءات مسؤولة، والعمل معاً لمصلحة جميع الأشخاص في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الشعب الأمريكي للاستمتاع بالمزايا التي يوفرها الذكاء الاصطناعي.