مطالبات ضاغطة لإصلاح الحوكمة العالمية
تقرير إخباري
نلحظ تكرار الدعوات العالمية وعلى أعلى المستويات للمطالبة بحوكمة جديدة عالمية، أو حتى على الأقل إصلاحها ووضعها في بداية الطريق القويم، على اعتبار أن هذا المصطلح يتضمّن التوفيق بين مصالح الدول المتعارضة والسير نحو عالم أكثر عدلاً، كما لوحظت مظاهر عدّة لتلك المطالبات آخرها مطالبة الرئيس الصيني شي جين بينغ بذلك بشكل مباشر عبر دعوته لأن تقود بلاده مع روسيا تلك الحوكمة، ناهيك عن الانتشار غير المسبوق لأحلاف ومنظمات اقتصادية وإقليمية صاعدة تقوم بدعوة الدول الأعضاء فيها إلى لعب دور في إصلاح الحوكمة العالمية، مثل “بريكس” و”شنغهاي للتعاون” لحماية مصالحها وشؤونها المتعارضة وإدارتها عبر استيعابها وإعادة تنظيمها، وحماية مصالح الدول النامية وتعزيز التعاون بينها لتحقيق التنمية المستدامة حول العالم.
إن مؤسسات الحوكمة الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرها من المؤسسات القانونية والمالية والاقتصادية فشلت فشلاً ذريعاً في ممارسة دورها منذ بداية إنشائها إبان حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتعزّز ذلك الفشل بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي في بداية تسعينيات القرن الماضي؛ ويعود ذلك إلى قيام أمريكا والدول الأوروبية التابعة لها بالهيمنة على تلك المؤسسات عبر ذراعها العسكري الضاغط على الدول المتمثل في “الناتو”، وأخذت الدول وعلى رأسها روسيا والصين تفقد ثقتها بشكل متسارع بتلك المؤسسات، كما بدأت أغلبية دول العالم تعيد احتياطياتها الذهبية نحو أوطانها، وخاصة بعد جنوح الغرب نحو اتخاذ الإجراءات الأحادية وسياسة تجميد الأرصدة ضدّ أي دول أو أشخاص يغرّدون خارج سرب الهيمنة والمصالح الأنغلوساكسونية.
بناء حوكمة عالمية جديدة أو حتى على الأقل إصلاح الحوكمة القائمة يُعدّ من الخطوات شبه المستحيلة؛ وذلك بسبب تعمّد الإدارة الأمريكية عرقلة أي خطوات جادة في ذلك المضمار، كعرقلتها أي مؤسسات لإنشاء بنوك للإقراض والاستثمار بين الدول خارج مؤسساتها المالية أو الخاضعة لها كصندوق النقد الدولي، كما أن الحرب الأوكرانية التي أُشعلت بقرار أمريكي هدفها الحفاظ على الحوكمة القائمة للعالم وفق قيم الهيمنة الغربية. ويُضاف إلى المعرقلات ما يمرّ به العالم من مشكلات كتداعيات وباء كورونا، وارتفاع المديونية، ومشكلات سلاسل التوريد، ونقص الغذاء وغلاء الطاقة، فضلاً عن غياب القرار الموحّد بإصلاح الحوكمة وعدم وجود مفهوم دولي موحّد لها. وما هو ملاحظ حتى الآن فشل دول العالم بحلّ تلك المشكلات رغم أنها تشمل الجميع “الدول الكبرى والصغرى”، بل تعصف بالصغرى بشكل أكبر وربما تهدّد بانفجار الاستقرار الداخلي ضمنها في أي وقت.
وعلى ما يبدو ستبقى فكرة إصلاح الحوكمة العالمية فكرة مثالية صعبة المنال رغم أن المشكلات الدولية باتت ضاغطة نحو إصلاحها؛ لأنها باتت تتعدّى الصعيد القومي للدول وعابرة للحدود كالأوبئة والإرهاب وشبكات التواصل الاجتماعي، وهذا يتطلّب على الأقل إيجاد حوكمة ثانية بين الدول غير تلك السائدة المهيمن عليها غربياً، أو إيجاد حوكمة على مستوى الأشخاص أو الكيانات بغض النظر عن الدول والحكومات في ظل تعزيز نشوء التكتلات القادرة على اتخاذ القرارات الاقتصادية الضامنة لمصالح دولها. أما على صعيد مؤسسات الأمم المتحدة فتكثر المطالبات الحثيثة لزيادة عدد الدول الدائمة العضوية، وإعادة تنظيم ممارسة حق “فيتو” بشكل يضمن عدالة ممارسته.
بشار محي الدين المحمد