في زمن “الطّفيليات”.. رقابة المطبوعات على طاولتي اتّحاد الكتّاب
نجوى صليبه
قد يبدو الحديث عن الرّقابة في زمن كلّ شيء فيه مباح أمراً مستهجناً وغريباً، ولاسيّما عند مثقّفين وكتّاب لا يرون الحرّية إلّا في الاستفاضة بوصف علاقاتهم بالنّساء الغانيات، أو الغوص في خفايا تحولات جنسية كانت فيما مضى من الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها.
ما هي الرّقابة المقصودة ها هنا، وماهي مسوّغاتها؟ وما هي إمكانية إلغائها؟ ومن معها ومن ضدّها؟ أسئلة طُرحت على طاولتي اتّحاد الكتّاب العرب في دمشق خلال النّدوة التي أقامها تحت عنوان: “رقابة المطبوعات.. مسوّغات البقاء وإمكانية الإلغاء”، وأقول طاولتي لأنّ عدد الحاضرين والمهتمّين بالموضوع كان غير متوّقع، ما دفع المحاضرين ـ بعيد بدء ندوتهم بدقائق ـ إلى الانتقال إلى القاعة الكبيرة لتتسع قلباً وقالباً لموضوع يعدّه البعض بدهياً، والبعض الآخر نسي التّحدّث فيه لأنّه أدرك أن لا أمل بتغييره أو تطويره.
ومنذ البداية، يبيّن أحمد ضوا معاون وزير الإعلام أنّ هذا المصطلح لم يعد موجوداً. يقول: في الوزارة لم نعد نسّمي شيئاً باسم “رقابة”، ومنذ استلامي مهامي لم يراجعني كاتب أو دار نشر للاعتراض على التّقييم الذي يعدّ عملية تفاعلية بشكلٍ أو بآخر، لأنّي أرى ـ اليوم ـ كثيراً من الكتّاب السوريين ليسوا بحاجة إلى الرّقابة ـ بالمعنى المفهوم سابقاً ـ إن لم يكن جميعهم، أحياناً يردنا اعتراض على التّأخير لا على التّقييم، وصراحةً أتمنى أن يأتي من يعترض على الملاحظات، وعلى العكس تماماً هناك من يشكرنا على عملنا، مضيفاً: هناك كتاب وحيد رفضه الاتّحاد مرتين ولا يمكن لأي أحد أن يقبله لأسباب صحيحة مائة في المائة، ونحن كنّا مع الاتّحاد قلباً وقالباً، ففي النّهاية من يقيّم محتوى كتابٍ ما هو من الكتّاب المهمّين في سورية، مؤكّداً: كلّ المخطوطات المتعلّقة بالأدب من شعر ورواية وقصّة ترسل إلى اتّحاد الكتّاب العرب، لكن الكتب المتعلّقة بالعلوم والتّكنولوجية فنرسلها إلى متخصصين.
بدوره، يبيّن هنا الدّكتور محمد الحوراني رئيس اتّحاد الكتّاب العرب: في يوم من الأيام قُدّم مخطوط رواية، وتلقّيت اتّصالات عدّة من أجل أن أوافق عليه بالسّرعة القصوى، لكنّي بالتّأكيد لم أفعل، وأرسلته كما درجت العادة إلى قارئ ردّه بعدم الموافقة، لأنّ الرّواية تدعو إلى أمر غريب جدّاً عن مجتمعنا وأخلاقياتنا، وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّنا نوافق على بعض المخطوطات بشرط التّعديل وفق الملاحظات المرفقة، مضيفاً: بلغ عدد المخطوطات الواردة من وزارة الإعلام في عام 2022 الـ 914 مخطوطاً، وافقنا على طباعة 561 مخطوطاً، ورفضنا 95 منها، وبلغ عدد الموافق على تداولها الـ 244 مخطوطاً، أمّا عدد المخطوطات المعادة إلى الوزارة فكان 2، وعدد التي لم يتمّ الموافقة على تداولها 9، ومنذ بداية هذا العام وصلنا من الوزارة 410 مخطوطات، وافقنا على طباعة 144 منها، وحصل 91 منها على موافقة بشرط التّعديل، ورفضنا طباعة 32 منها، وأعدنا إلى الوزارة 8 إمّا لوجود أخطاء لغوية فادحة أو لعدم مطابقتها المعايير، ووافقنا على تداول 112، ولدينا في القراءة للطّباعة 21، ولدينا في القراءة للتّداول 2 فقط، لأنّه لا يوجد لدينا في الاتّحاد من يقرأ الزّجل فنحيل مخطوطاته إلى جمعية الزّجل.
ويقرّ الحوراني بمشكلة يعانيها الاتّحاد اليوم، فيقول: نعترف بأنّ لدينا مشكلة لكنّها ليست بالكبيرة، وهي ضياع 3 مخطوطات نتيجة إهمال من القارئ أو الموظّف، وعالجنا الموضوع مباشرةً، إذ طلبنا من قسم المخطوطات إعادة إرسالها لنطبعها ونرسلها مرّة أخرى إلى القارئ، أمّا حالات التّأخير فاستثنائية ونادرة، أحياناً يأتينا صاحب دار نشر ويخبرنا بأنّه حصل اليوم على الموافقة من الوزارة مثلاً، ونحن نكون قد أرسلناها منذ أسبوع تقريباً، لكن نتيجة المراسلات تأخّرت، لذا أتمنى من أي مدير دار نشر أن يخبرني بأي تأخير لكي نعالج الأمر، وأنا أتابع كلّ شيء وحريص على ألّا يبقى المخطوط عند القارئ أكثر من شهرين، لكن قد يحدث طارئ كالوفاة أو غيرها وهذه نعالجها بأسرع وقت ممكن أيضاً.
ويتطرّق الحوراني إلى معاناة القارئ المادية والمعنوية أيضاً، فيقول: عندما يستلم القارئ مخطوطاً سيئاً يكون كمن يتلقّى عقوبةً، وعلى الرّغم من ذلك نصرّ على قراءة واعية وهادئة، وفي مرّات عدّة قال بعض القرّاء في تقاريرهم إنّ أصحاب بعض المخطوطات لا يمتّون للإبداع بصلة، لذا يجب أن يكون هناك نقدٌ موضوعيٌّ، ولابدّ لنا من التّنويه بأنّ القارئ لا يأخذ مساعدة من أحد بل يخسر من جيبه، لذا نطالب بتخصيص رسم قراءة.
ولأنّ التّأخير في الحصول على الموافقة هو ما يعترض عليه المراجعون من الكتّاب ودور النّشر، يقول هيثم حافظ رئيس اتّحاد النّاشرين: نتمنّى فصل آلية طلبات التّقديم إلى الوزارة والحصول على الموافقات عن غيرها من طلبات المراجعين، ودعوا دور النّشر أيضاً تقدّم الموافقات، لماذا يصل إلى الاتّحاد ألف مخطوط للقراءة والطّباعة ونحن لا، مضيفاً: من قال هناك كتب غير جيّدة فليزوّدنا بأسمائها عبر طلب رسمي.
لكن من مع الرّقابة ومن ضدّها؟ يجيب الحوراني: أنا مع الإبقاء على الرّقابة والتّشدد فيها أيضاً، لأنّنا للأسف الشّديد نواجه موجةً من الطّفيليات التي لا علاقة لها بالكتابة أبداً، وبعضهم يريد أن يصبح كاتباً بسرقة بعض الكتابات وجمعها وتقديمها إلى أي دار نشر، وللأسف أيضاً فإنّ غالبية دور النّشر لا همّ لها سوى الرّبح.
ولا يعارض حافظ الرّقابة لكنّه يؤكّد ضرورة توضيح معاييرها، يقول: بغضّ النّظر إن سمّيناها رقابة أو تقييماً أو متابعة، نحن مع القانون ولسنا ضدّ فكرة التّقييم أو الرّقابة بمجملها ولا نخافها لأنّه ليس لدينا ما نخاف منه، لكن يجب أن تتوضّح المعايير الخاصّة للتّقييم، فاليوم كلّ دور النّشر لديها لجان رقابة خاصّة فيها، ونتمنّى تضافر الجهود لدعم كتاب سوري جيّد، فمن غير المقبول أن يكون إذن الطّباعة ستة أشهر، فمشكلتنا اليوم كناشرين مشكلة وقت وزمن لا رقابة أو تقييم.
لكن ماذا لو أردنا إلغاء الرّقابة من طريق الكتاب؟ يبيّن ضوّا: إلغاء الرّقابة أمر متعلّق بآليات عمل الدّولة، واتّحاد الكتّاب العرب كتنظيم رقابي مهمّ وقادر على تقديم وتسيير الاقتراح، كذلك الأمر بالنّسبة لوزارة الإعلام واتّحاد النّاشرين، ومن ثمّ يُدرس الاقتراح بسلبياته وإيجابياته، وتقرّر النّتيجة بحسب الفائدة ومستواها.