جنكيز العصر
عبد الكريم النّاعم
*إشارة لا بد منها، فالبعض يتّهمنا بالهروب من مواجهة القريب، بالنّزوح للبعيد، لهؤلاء نعيد القول، الداخل لم يغب عن اهتمامنا، ولا عن اهتمام النّاس، كما أنّ ما سنشرحه متعالق مع ما نحن فيه.
*أخذْنا جنكيز منحى، لتقاطعه مع وحشيّة الولايات المتّحدة، بمن معها، ونعني القيادات، لا الشعب الأمريكي كلّه، إذْ يقول مَن عاشرهم إنّهم شعب بسيط، ولا يهتمّ بالسياسة.
*في كلّ الحروب الكبرى، والمؤثِّرة في التاريخ، والتي عرفتْها البشريّة، كان ثمّة اجتياحات، واحتلال، وانتصار وهزيمة، وكانت نتائج معظمها، لا تخلو من إيجابيّة أو أكثر، رغم ما يرافق الحروب من دمار ومآس، فحين غزا الاسكندر بلاد الشرق كان ممّا نتج قيامُ الحضارة الهلنستيّة، امتزج فيها ما في مخزون الشرق بما حملتْه الجيوش، نتيجة التفاعل، والتّلاقح.
وحين انتشرت الامبراطوريّة الرومانيّة وسيطرتْ على العالم القديم، حملت القانون الروماني، وأقنية الريّ، والعمارة، والأفكار، وأُنشئتْ مكتبات شهيرة.
أمّا العرب الذين حملوا الرسالة المحمديّة فتكفي الإشارة الشهيرة: “ما عرفَ العالمُ فاتحاً أرحم من العرب”، وذلك لتقيّدهم بوصية الرسول الأخلاقيّة، لا تقطعوا شجرة، ولا تردموا بئراً، ولا تقتلوا شيخاً ولا طفلاً ولا امرأة الخ..
*من الغزاة الشهيرين الذين لم يُعرَف عنهم إلاّ الخراب والدّمار هو جنكيز خان الذي كان لديه استعداد أن يدمّر مدناً كبرى عامرة من أجل ضمان مرعى لخيوله!! ولم يترك أثراً إيجابيّاً قطّ.
في العصر الحديث ثمّة جنكيز، بصورة جديدة، هو الولايات المتّحدة، ففي الحرب العالميّة الثانية ألقوا القنبلة النوويّة على هيروشيما وناكازاغي رغم إعلان اليابان الاستسلام، وفي ألمانيا دمّروا دريسدن، بعد استسلامها، من أجل إتاحة فرصة لشركات الإعمار الأمريكيّة، وفي فيتنام اتّبعوا سياسة الأرض المحروقة، وإبادة كلّ ما تطاله قنابلهم، وفي أفغانستان مازالت آثار الخراب قائمة، وضمنها إبعاد القوى الوطنيّة المنفتحة على العصر ومعطياته، لتسليمها أرضاً محروقة لجماعة طالبان التي تصادر أيّ روح للتقدّم، وذلك لتبقى تحت رحمة واشنطن، وفي هذا من التدمير المعنوي ما لا يقلّ عن التدمير المادي.
*في بلادنا العربيّة ما زالت الأحداث، ومُفرزاتها قائمة فقد دمّروا ليبيا، وتركوها لانقسامات، وجراح داخليّة لا يعلم إلاّ الله متى تُشفى منها، وليس ما جرى ويجري في السودان، منذ أيام البشير حتى الآن، مضافاً إليه النّفوذ الصهيوني إلاّ واحدة من جرائم واشنطن، أمّا اليمن فما تزال نيرانه تشتعل، وإنْ لم تصل فيه واشنطن إلى الغايات التي رسمتّها دوائر الاستخبارات فيها، وما ارتُكب في العراق يُضاف إلى مآثر “!!” جرائم فظيعة، غير مسبوقة في التاريخ، وفي لبنان تصادر واشنطن أيّ قرار وطني هو لصالح جميع اللبنانيين، ولعجزها عن قهر المقاومة فيها، فهي تُجمّد أيّ حراك إيجابي، وفي هذا ما فيه من تدمير غير خافٍ.
أمّا في سوريّة فقد كان إشعال الحرائق فيها ممنهَجاً، شمل كلّ ما طالتْه أيدي المخرّبين، مستفيدين من ثغرات أخطاء الداخل، وتعاون المزروعين المخفيّين بين صفوفنا، وحين لم يتمّ لهم ما أرادوه، قاموا بعمليّة احتلال الشمال السوري، بالتعاون مع تركيّا، ولم يكتفوا بذلك بل أتبعوه بقانون قيصر الإجرامي للوصول إلى تدمير النفوس التي أصبح أكبر همومها تأمين لقمة العيش، فهل عرف التاريخ جنكيزاً كهذا؟!.
*إنّ الحرب على روسيا الاتحاديّة في أوكرانيا هي صورة أخرى من تلك الصور، وعلى نتائجها يتوقّف مصير العالم.
إنّ ما سبق يرتَب على القوى الوطنيّة في سوريّة أن تستجمع كلّ طاقاتها، للخروج من الأنفاق التي حفرتْها واشنطن، وهو أمر لا يبدو سهلاً، ولكنّه، إذا حسُنت النوايا، وصلحت الإدارة.. ليس مستحيلاً.
aaalnaem@gmail.com