ربا قرقوط في معرضها “سكون”: الصمت أقوى من الكلمة
ملده شويكاني
ربما تكون لحظة الإحساس بالسلام الداخلي أجمل لحظة يعيشها الإنسان، وهذا ما جسّدته الفنانة التشكيلية ربا قرقوط في معرضها “سكون” الذي أقيم في صالة زوايا. فلوحة الأنثى التي أغمضت عينيها في لحظة سكون، لتحطّ الحمامة البيضاء فوق شعرها المنسدل، وتهمس دمعتها الندية لقلادتها الحمراء بأنشودة حب كانت إحدى المشاهد المتسلسلة المتتابعة لمجموعة حالات تعيشها الأنثى في وضعية سكون وتأمل ووقفة مع الذات، اقتربت إلى حدّ ما من الذاتية.
ثمة تقارب ما من حيث المضمون الإنساني بين معرضها السابق “أمواج من بوح” و”سكون” وإن اختلفت الصورة البصرية من حيث الأدوات والتقنيات وبدت أكثر عمقاً وتطوراً بالتعبير عن روح ربا قرقوط وهويتها الخاصة، من خلال ثمانية وأربعين عملاً اشتغلتها قرقوط بمراحل تجارب للمزج بين التقنيات بمواد مختلطة دون التأطير بمدرسة معينة، لتقدم بأسلوبها بين التجريدي والتعبيري المشحون بالرمزية شظايا انكسارات أنثى، يحدّدها الخط الأبيض الدقيق المنسدل على ملامح الوجه بشكل خاص داخل مزيج من سماكات العجينة اللونية تموضعت في فضاءات اللوحة، ترتبط بشيء من الرموز كالسمكة والطير أو بالغموض بخطوط سوداء متشابكة بدقة تشي بهياكل ضبابية، في حين تشقّ منمنمات صغيرة طريقها داخل تكوينات اللوحة لترسم وجه رجل مختبئ داخل دهاليز الذاكرة، فيبدو في أجزاء متفرقة من اللوحة أو في الطرف الآخر منها.
البعد النفسي
ولم تتخوّف قرقوط من الابتعاد عن تصوير الجمال الأنثوي والتشخيص لتفاصيل جسدها بأسلوب واقعي أو انطباعي كما يفعل كثير من الفنانات والفنانين، إذ ركزت على البعد النفسي لإظهار المعاناة الساكنة متبنية دلالات لونية واضحة، فاعتمدت على اللون الذهبي الذي هيمن على فضاءات اللوحات بالدرجة الأولى فاعتلى وجه الأنثى وشعرها وملامحها، مع دلالة الخلفية اللونية بين الأحمر والتركواز وتدرجات البني، كما وظّفت الدلالة اللونية في إيحاءات القلادة والقرط ولون الشفاه.
السكون والصخرة
وفي حديث التشكيلية الأكاديمية ربا قرقوط خريجة كلية الفنون الجميلة مع “البعث” بأن اسم المعرض “سكون” استمدته من الصخرة التي تتوسط عباب مياه البحر وتتعرض لتلاطم الأمواج وحركة المد والجزر، فتقاوم كل تقلبات الطبيعة وتغييرات المناخ وقسوة من يطَؤها، ورغم ذلك تبقى هادئة ساكنة متشبثة بمكانها، وتابعت: هذه الصخرة أوحت إليّ بحالة الإنسان الذي يعيش الصراع من أجل البقاء، بحالة الإنسان السوري الذي تحدى العالم ودافع عن وطنه وعن القيم التي يؤمن بها ويتمثلها. ووجدتُ بأن الأنثى هي الأقرب إلى إيصال رسالتي إلى المتلقي بالتعبير عن ذاتي وعن الحياة والطبيعة والأم والأخت والصديقة.
بريق الذهب لا يتغير
وعن الدلالات اللونية وخاصة اللون الذهبي الطاغي على اللوحات، عقبت: اللون الذهبي مستوحى من معدن الذهب البراق الذي يبقى بجوهره وبريقه وصلابته مهما جارت عليه الأيام وقست عليه الأحوال ومرّت عليه السنوات، وهكذا حال الإنسان والأنثى تحديداً التي احتملت أعباء الحياة ومعاناتها بصبر وأناة لأنها مثل الذهب تبقى قوية متماسكة مهما عصفت بحياتها الأقدار.
في حين يدلّ اللون الأحمر على الطاقة المتفجرة داخلنا، واللون البني يرتبط بالأرض والتمسك بجذورنا وحضارتنا، أما التركواز فهو حالة الأمل التي نعيش من منفذ ضوئها، والحلم الذي ننتظر تحقيقه. وقد استخدمتُ تكنيكاً خاصاً “ميكس” خليطاً بين مواد وألوان مختلفة نتيجة بحثي مدة سنتين ونصف حتى وصلتُ إلى هذه النتيجة التي ترضيني.
إغماض العين
ثم سألتها عن القاسم المشترك بين اللوحات وهو إغماض العين، فأجابت: المخاطبة تتمّ عبْر التواصل بالعين، إلا أنني أردت مخاطبة القلب والروح والبوح بما يعتري أعماقنا، فبلحظة سكون وصمت نحكي آلاف الجمل المعبّرة عن أفكارنا ومشاعرنا، ويبقى الصمت أقوى من الكلمة وأكثر تأثيراً بالآخر، وهذا ما قصدته من معرضي.