اقتصادصحيفة البعث

وماذا عن شارة الجودة التي تضبط الأسواق وتحمي المستهلك؟

علي عبود

طالبنا مرارا بتدخل وزارة الصناعة في الأسواق لحماية المستهلك وسمعة المنتج السوري معا، تماما مثلما تفعل وزارة الصحة التي تحكم رقابتها على صناعة الدواء، فلا تسمح بطرح أي صنف أو طبخة دوائية إلا بموافقة مسبقة.

وعلى الرغم من الإنتشار المرعب لعمليات الغش في الكثير من السلع الغذائية، وما تلحقه من ضرر بالمستهلكين، فإن وزارة الصناعة لم تتدخل بالتنسيق مع وزارة التجارة الداخلية لضبط الأسواق ومنع تداول السلع والمواد المشبوهة والتي يتسبب بعضها بحالات تسمم تودي بمتناوليها إلى الموت السريع!

وإذا كانت المهمة الرئيسية لوزارة التجارة ضبط الأسواق ومصادرة السلع والمواد غير المطابقة للمواصفات السورية التي تضعها وزارة الصناعة من خلال هيئة المواصفات والمقاييس السورية، فإن المهمة الأهم لوزارة الصناعة يجب أن تكون منع طرح أي مادة مصنعة محليا دون موافقتها المسبقة، أي بعد منحها شارة الجودة.

وخلافا لما يعتقده الكثيرون، فإن ضبط الأسواق ليس من مهام وزارة التجارة الداخلية فقط، بل من مهام وزارتي الإدارة المحلية والصناعة أيضا، وبسبب عدم التنسيق بين الوزارات الثلاث من جهة، وتقصير وزارتي الصناعة والإدارة المحلية، فإن أجهزة الرقابة عاجزة عن ضبط الأسواق والأسعار ومنع تداول المواد التي تلحق الضرر بملايين السوريين!

وربما يكون التعميم الذي أصدرته وزارة الصناعة مؤخرا خطوة مهمة على طريق تصحيح هذا الخلل المزمن، ويدفعنا للتساؤل: هل قررت وزارة الصناعة أخيرا منع أصحاب المشاريع الصناعية المرخصة من طرح أي منتج في الأسواق قبل حصوله على شارة الجودة؟

ولعلنا نتفاءل أكثر مما يجب، فتعميم وزارة الصناعة لمديريات الصناعة في المحافظات والمدن الصناعية ينص على “عدم منح أي ترخيص صناعي دون الرجوع إلى هيئة المواصفات والمقاييس السورية بما يخص مواصفة المنتج أو الخدمة، وإلزام صاحب الترخيص بشراء مواصفة المنتج ممهورة بختم هيئة المواصفات ضمن الأوراق المطلوبة للترخيص دون الاكتفاء برقم المواصفة القياسية السورية”.

وهذا الشرط الإلزامي، أي شراء مواصفة منتجات أصحاب التراخيص من الهيئة، جيد، لكن الأكثر أهمية أن تفرض هيئة المواصفات رقابة لاحقة ومحكمة على معامل الإنتاج، فتمنع خروج أي “طبخة” جديدة دون حصولها على الموافقة المسبقة من الهيئة، وهذا الإجراء المتبع في معامل الأدوية يضمن عدم قيام المنتجين المرخصين بأعمال غش وتدليس في المواصفات والمقاييس بعد حصولهم على الترخيص الرسمي من وزارة الصناعة أي بعد شرائهم مواصفة المنتج.

وقد لفتنا أن هيئة المواصفات والمقاييس ليس لديها قاعدة بيانات للصناعات المرخصة في مديريات الصناعة في المحافظات، أي هناك تقصير من جانبها بإصدار المواصفات والمقاييس الوطنية، وهذا التقصير لاتتحمله إدارات الهيئة المتعاقبين عليها، وإنما جميع وزراء الصناعة السابقين!

وإذا كان التعميم الأخير لوزير الصناعة جاء تنفيذا للتعليمات التنفيذية للقانون رقم 21 لعام 1985، والتي تنص على أن المواصفة القياسية هي إحدى الأوراق المطلوبة لاستكمال إجراءات الترخيص الصناعي، فإن السؤال الذي طرحناه مرارا دون أي إجابة من أي وزير صناعة سابق: وماذا عن مرحلة مابعد صدور أو منح المواصفة لأصحاب الرخص الصناعية؟

بدلا من أن تنشغل وزارة التجارة بمراقبة عشرات محال البيع للتأكد من مطابقة منتجاتها للمواصفات فلا تتمكن من ضبط الأسواق، لماذا لاتتصدى هيئة المواصفات بنفسها لهذه المهمة، إذ من السهل عليها أن تمارس الرقابة المسبقة فلا تسمح بخروج أي (طبخة) جديدة من المعمل قبل التأكد من مطابقتها للجودة، وقبل منحها الشارة النهائية..الخ.

الغريب والمريب معا، إن الجهات المسؤولة عن حمايتنا من الغش والتدليس ومنع طرح سلع تلحق الضرر بصحتنا، مصرة على ممارسة الرقابات اللاحقة بدلا من الرقابات المسبقة، وهذه مهام مستحيلة ليس بمقدور أية أجهزة رقابية النجاح بتنفيذها مهما بلغ عديدها ومهما كانت إمكانياتها وتقنياتها متطورة! الخلاصة: الرقابة على حركة المواد وضبط الأسواق والأسعار وحماية المستهلكين تبدأ من أسواق الهال ومستودعات التجار ومن المصانع خلال دوران خطوط الإنتاج، وبأن تقوم مجالس المدن ودوائر الخدمات بمنع انتشار الصناعات غير المرخصة، وهذه المهام لايمكن إنجازها إلا بالتنسيق الكامل والفعال بين أجهزة الرقابة في وزارات الصناعة، والتجارة الداخلية، والإدارة المحلية.