الحوار الإيجابي الخليجي – الروسي
ريا خوري
أجمعت السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي على ضرورة إطلاق حوار استراتيجي مع جمهورية روسيا الاتحادية، وهذا الحوار، في حقيقته، لا غنى عنه لكلا الجانبين، بخاصة في القضايا التي تمسّ أمن وسلامة كامل منطقة دول مجلس التعاون، وجمهورية روسيا الاتحادية، فهناك قضايا مثل الأمن بمفهومه العام، وقضايا الطاقة، تتطلب تفاهماً عملياً وجماعياً، بخاصة أن دول مجلس التعاون الخليجي متداخلة وقريبة من بعضها بعضاً، وتمثل كتلة واحدة في الجسد العربي الكبير، وهي بمجموعها تشكل قوة ذات وزن استراتيجي عالمي، ليس على مستوى دول غرب آسيا فقط، بل على مستوى العالم أجمع.
الحوارات لم تنقطع، فقد أشارت الكثير من المعطيات أنَّ الحوار الاستراتيجي بين الجانبين قد بدأ في لقاء جمع بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، وسيرغي لافروف، وزير خارجية جمهورية روسيا الاتحادية، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، في شهر تشرين الثاني عام 2011، وتم فيه التوقيع على مذكرة تفاهم تنظِّم آليات الحوار الاستراتيجي بينهما. بعد ذلك توالت اللقاءات بين الجانبين بشكل دوري لمراكمة النتائج، وتثبيت الأسس والقواعد المشتركة. ففي الأسبوع الماضي، شهد انعقاد الحوار الاستراتيجي السادس بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، وسيرغي لافروف وزير خارجية روسيا، حيث بحث الجانبان سبل دعم وتعزيز التعاون المشترك.
من دون أدنى شك، إن انعقاد هذا الاجتماع له دلالات ومؤشرات كبيرة وخاصة، لأنه تم في خضم الصراع العسكري الساخن الدائر بين روسيا وأوكرانيا، وتنامي المواقف المضطربة وغير المستقرّة بين روسيا ودول الغرب الأوروبي – الأمريكي، وأيضاً في ظل تشكّل عالم جديد تمثله دول مجموعة “بريكس”، والدول الأخرى الباحثة عن الاستقلال الكامل في قراراتها السياسية والاقتصادية.
الجدير بالذكر أنه بعد عام 2020 ، بدأ القادة وكبار الدبلوماسيين في الدول المؤسسة مناقشات لتوسيع المجموعة، حيث أبدت دول كثيرة اهتماماَ بعضوية “بريكس”. في 16 آذار 2023 ، أعلنت جمهورية روسيا الاتحادية أنها تدعم محاولة الجزائر للانضمام إلى “البريكس”،
وبالتالي إن السياقات التاريخية الحديثة تؤكد أن مستقبل العالم سيكون مختلفاً عما كان عليه في السابق، فلم يعد ثمة مجال، بعد اليوم، لهيمنة قطب واحد المتمثِّل بالولايات المتحدة الأمريكية، بل هناك عالم متعدد الأقطاب تساهم فيه دول “البريكس”، وهذا الأمر يتوافق مع تطلعات وسعي دول مجلس التعاون الخليجي إلى فتح قنوات تواصل متعدِّدة ومتنوعة، وإقامة علاقات تعاون متعدِّد الأطراف، وليس مع طرف واحد من دول العالم، وبما يضمن تحقيق الأمن والأمان والاستقرار الدائم لها في المستقبل.
إن التعاون الخليجي – الروسي، خاصة في هذه الأجواء الملتهبة، قد يشهد قفزات كبيرة ومتسارعة، ولا سيما في مجال مفهوم الأمن متعدِّد الأطراف، ذلك أن جمهورية روسيا لاعب دولي كبير، وهي لا تبحث عن الهيمنة، بل عن شركاء دوليين حقيقيين، يدعون إلى تعزيز الشراكة، والمواقف بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي. هذا الحوار الدافئ تجلى في البيان الصادر عن الاجتماع السادس للحوار الإستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي وجمهورية روسيا بموسكو على أهمية الحوار الإستراتيجي بين مجلس التعاون وروسيا، بما يحقق المصالح المشتركة، ويعزز علاقات الصداقة.