فصل جديد في العلاقة مع سورية
علي اليوسف
نجحت الجزائر بقوة دبلوماسيتها الناعمة في العديد من المشاهد والمواقف الإيجابية تجاه سورية التي توّجت أخيراً بتسلّم الرئيس بشار الأسد أوراق اعتماد كمال بوشامة سفيراً مفوّضاً فوق العادة للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لدى سورية.
في تعاطيها مع الملف السوري، كانت مواقف الجزائر غير خاضعة لأي حسابات سياسية، وكان ما يحكمها هو المواقف الودية تجاه شقيقتها التي عانت من الحرب الإرهابية المفروضة عليها، والعقوبات الاقتصادية الجائرة التي أرهقت الشعب السوري. لقد تمكّنت الدبلوماسية الجزائرية من تخفيف حدة الخلافات العربية البينية، وسجّل لدبلوماسيتها أنها كانت حكيمة وشديدة المرونة وسريعة التكيّف أيضاً واستباقية أحياناً في تعاملها مع الأزمة السورية.
صحيح أن بدء عودة العلاقات العربية- العربية هو خطوة سياسية تتعارض بشكل مباشر مع محاولات الغرب المستمرة لتدمير الدولة السورية بفرض العقوبات، لكن من المؤكد أن العرب تخطَّوا الإملاءات الأمريكية بخطوات دعمتها منذ البداية دولة الإمارات العربية التي قادت جهود دعم سورية من خلال إعادة فتح سفارتها في دمشق عام 2018.
لذلك، إن إعادة فتح سفارة الجزائر هو امتداد لمواقفها المشرّفة تجاه سورية، فالعلاقات بين سورية والجزائر مبنيّة على وقوف سورية إلى جانب الجزائر في الثورة، ووقوف الجزائر عبر عقود إلى جانب القضايا السورية، أي أن الجزائر لم تفارق الوجدان السوري، ولهذا تظهر العلاقة اليوم بشكلها الناصع والجميل.
وبالفعل في كل المحطات ذات العلاقة بالأزمة السورية، أدّت الجزائر دوراً كبيراً ومحورياً بدايةً من رفضها قرار عزل سورية عربياً، وتجميد عضويتها في جامعة الدول العربية، وذلك من خلال قرار إبقاء علاقتها مع سورية رغم الضغوط التي مورست عليها. كان موقف الجزائر من الأزمة السورية مبدئياً منذ بداية الأزمة، فقد تعاملت الجزائر مع الملف السوري برؤية إستراتيجية مبنية على إرث وتقاليد عريقة على مستوى العلاقة التاريخية القوية التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين.
إن ما قامت به الجزائر هو بوصلة حقيقية لمن ارتكب الأخطاء الدبلوماسية ضمن أجندة خارجية كان هدفها إسقاط الدولة السورية لأسباب لا علاقة لها بمستقبل الشعب السوري، بل تحقيق مصالح قوى خارجية دولية وإقليمية أرادت أن تستخدم موجة ما يسمّى “الربيع العربي” لتغيير جيواستراتيجي يضعف دور سورية في المنطقة.
نعم نشهد اليوم تحرّكاتٍ ومواقف لدول عربية غيّرت اتجاه سياستها في علاقتها بالملف السوري، وأصبحت تقود مبادراتٍ وتطرح رؤى، لكن المطلوب هو دعم هذه الخطوات بقرارات ذات صبغة اقتصادية وتجارية تدعم خطوات إخراج سورية من أزمتها الاقتصادية ومعاناة شعبها من الحرب والحصار المفروض عليه، لأن خروج سورية من أزمتها ستكون له نتائج إيجابية على كامل المنطقة من منطلق أن استقرارها هو استقرار للمنطقة عموماً، وخاصةً أن الانفتاح السياسي على سورية نابع من الوزن الذي تمثله، ويعدّ تتويجاً لسياسة الغرب الفاشلة تجاه سورية ونصراً دبلوماسياً لها بعد أكثر من عقد مضى.