ثقافةصحيفة البعث

المرأة وشعر الطفولة .. بين الغياب والصحوة المتأخرة

آصف إبراهيم

ظهرت أولى بوادر الكتابة في أدب الطفل على يد أمير الشعراء أحمد شوقي (1868 -1932م) الذي تنبه مبكراً إلى حاجة الطفل العربي إلى هذا الضرب من الأدب، فألف قصائد شعرية متعلقة بهذه الفئة العمرية، كقصيدة “الصياد والعصفورة”، و”الديك الهندي”، و”الدجاج البلدي”، التي ضمَّنها ديوانه “الشوقيات” الذي صدر في 1898م.

ويعتبر سليمان العيسى من سورية أبرز شعراء الطفولة في القرن العشرين اشتهر بقصائده عن الطفولة، والتي نالت شهرة كبيرة في الوطن العربي. تتميز قصائده بالسهولة والبساطة والعواطف الجياشة والقيم العليا. وقد حصل على العديد من الجوائز تكريماً لأعماله الأدبية المميزة.

صدر له مجموعة شعرية من عشرة أجزاء تضم جميع القصائد التي كتبها للأطفال تحت عنوان “غنوا يا أطفال”. كما كتب مسرحيات ومسلسلات شعرية للأطفال، منهم: مسرحية النهر، ومسلسل القطار الأخضر.

إلى جانب هذين الاسمين كان هناك أسماء عديدة لشعراء عرب اهتموا بكتابة شعر الطفولة، وحققوا نجاحاً في هذا المضمار، لكن أين المرأة من شعر الطفولة؟.

لم يرصد الباحثون أية شاعرة على مستوى الوطن العربي اهتمت بهذا المجال طيلة عقود القرن الماضي، لكن الكاتب بيان الصفدي الذي ألف كتاباً يوثق فيه  أسماء أهم من كتب شعراً للأطفال على مستوى الوطن العربي منذ بدايات القرن الماضي وحتى الآن، ومنهم عدد من النساء يذكر بعضهن في المحاضرة التي ألقاها الثلاثاء الماضي في مقر فرع حمص لإتحاد الكتاب العرب ومنهن أمينة نجيب(١٨٧٣-١٩١٧) التي كتبت نصاً بعنوان “العصفور”، وهناك شاعرة مثقفة وموهوبة من سورية اسمها جسماني شفرا ألفت كتاباً اسمه “روضة  الأطفال” استفادت منه وزارة المعارف اللبنانية في اختيار بعض أناشيد الأطفال في الكتب المدرسية، وقد ذكرها محمد رضا كحالة في معجم أعلام النساء.

كما تطرق الصفدي إلى بعض التجارب المبكرة في سورية مثل تجربة الشاعرة عزيزة هارون، ولينا تقلا من حمص التي حصل ديوانها على جائزة مهمة في الإمارات العربية المتحدة، وغيرهن من شاعرات من سورية والوطن العربي.

ويعتبر الصفدي أن سورية رائدة على مستوى الوطن العربي في شعر الأطفال وكذلك لبنان وفلسطين ويعزو ذلك إلى الاحتكاك بالغرب وتطور التعليم فيهما. وهو في ذلك يخالف الكثير من الدراسات التي تنسب الريادة إلى مصر على يد شوقي والطهطاوي وغيرهما، وإذا أخذنا بموضوع الاحتكاك مع الغرب كسبب لهذه الريادة فإن دول المغرب العربي كانت الأكثر احتكاكاً بالغرب، ومع هذا لم يلق شعر الأطفال رواجاً فيها شأنها شأن دول الخليج، التي يقلل الصفدي من شأن شعر الأطفال الذي عرفته مجلات الأطفال العديدة الصادرة فيها كمجلة “ماجد” الإماراتية.

وزع الكاتب الصفدي في المحاضرة التي حملت عنوان “المرأة وشعر الأطفال” الكثير من شهادات الإجادة، والإسفاف لشعراء كثر كتبوا للأطفال دون أن يتوسع في تقديم الحجج والإثباتات النقدية الأكاديمية المقنعة لتلك التقييمات التي لم تخرج عن إطار العموميات، ولم يسلم شاعر الطفولة الأبرز سليمان العيسى من النقد والتقليل من أهمية بعض ما كتبه تحت ذريعة جنوح شعره نحو الوعظ، والدعوة المباشرة لحب الوطن، فالكاتب الصفدي يعتبر الشعر الناجح هو الذي يقوم على  تأكيد الروح الطفولية، ويستند إلى العبارة المدهشة، والجملة البسيطة، والمفردة السهلة، والتنويع في الأوزان والقوافي لكسر الرتابة الإيقاعية، والابتعاد عن القصائد الطويلة التي لا تتلاءم مع التكوين النفسي والجسدي للطفل، بالإضافة إلى التركيز على الجرس الموسيقي والأصوات عن طريق التكرار.