“الآسيان” ليست وكيلاً لدول أخرى
عناية ناصر
اجتمع وزراء خارجية جنوب شرق آسيا في جاكرتا في الرابع عشر من شهر تموز الحالي لإجراء محادثات تتعلق بالقضايا الإقليمية، وكان تركيز وسائل الإعلام الغربية على موضوعين رئيسيين: الضغط على حكومة ميانمار لإنهاء إراقة الدماء والتعامل مع جميع الأطراف، واتخاذ موقف أكثر صرامة ضد الصين في نزاع بحر الصين الجنوبي.
إن الجمع بين هاتين المسألتين هو أمر مضلل، حيث يؤكد هذا المزيج على القرار الاستراتيجي الذي اتخذته الولايات المتحدة لاحتواء الصين على الصعيد العالمي، الأمر الذي يعيق رابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان” عن معالجة القضية الأولى بفعالية، ويمكن أن يؤدي إلى صراعات داخل الآسيان وبين الآسيان والصين.
إن الأولوية القصوى لرابطة آسيان هي تعزيز السلام والمصالحة والاستقرار في ميانمار، لأنها ضرورية لوحدة الآسيان ولتأثيرها في السياق العالمي والآسيوي، حيث وافقت رابطة “الآسيان” على خمس نقاط في هذا الصدد. لكن القضية الأكثر أهمية الآن هي تعزيز هذا الإجماع، والتمسك بموقف الآسيان، ومنع التدخل من قبل القوى الخارجية، ودفع الحوار الذي يشمل جميع أصحاب المصلحة المعنيين وفقاً لنهج الآسيان المحدد. لقد أصبح تدخل القوى الخارجية، ووفقاً لمصادر مختلفة، في شؤون ميانمار عاملاً هاماً يعيق المصالحة في البلاد، ويزيد من حدة الانقسامات بين الفصائل المختلفة.
وفي ظل هذا الواقع كيف ينبغي مواصلة واستمرارية تنمية ميانمار؟. إن هذا القرار منوط بشعب ميانمار وحده، وليس من قبل قوى خارجية، إذ ثبت مراراً أن إجبار ميانمار على اتباع “خطط” بعض القوى الخارجية لا يؤدي ببساطة إلى تحقيق المصالحة. علاوة على ذلك، فإن العقوبات التي يفرضها الغرب لا تجلب سوى المعاناة لعامة الناس في ميانمار.
كانت الصين على استعداد دائم لمساعدة الآسيان في تعزيز عملية السلام في ميانمار، حيث عملت على توفير أماكن للاجتماعات من أجل المفاوضات ذات الصلة، كما أنها تواصلت مع جميع الأطراف في ميانمار.
لم تتدخل الصين، ولن تتدخل أبداً في السياسة الداخلية لميانمار، بل إن هدفها الأساسي هو مساعدة شعب ميانمار على الجلوس، والتفاوض من أجل التوصل إلى المصالحة. إضافةً إلى ذلك فإن الصين لن تتصرف أبداً بطريقة بعض الدول الكبرى خارج المنطقة، التي تتظاهر بتعزيز السلام، لكنها في الواقع تنخرط في إجراءات تقسيمية ، وتثير الصراعات، وتؤدي إلى تفاقم التوترات.
تعد الصين ضحية الاضطرابات الحالية في ميانمار، حيث يتم اختطاف المواطنين الصينيين بشكل متكرر من قبل العصابات الإجرامية في ميانمار، ولهذا فإن التنمية السلمية لميانمار ستعود بالنفع على الآسيان وكذلك على الصين.
إن محاولة تضخيم قضية بحر الصين الجنوبي باعتبارها التحدي الأكثر أهمية الذي يواجه الآسيان، هو في الواقع محاولة للتدخل وتقويض قضية الوحدة الداخلية الأهم في الآسيان.
وبناء على ذلك، فإن قضية بحر الصين الجنوبي ليست أولوية قصوى. وباعتباره أهم طريق ملاحي في العالم، لم يشهد بحر الصين الجنوبي أبداً أي حوادث إغلاق أو معوقات، وحتى بالنسبة للدول التي تدعي أن قضية بحر الصين الجنوبي هي المشكلة الرئيسية لآسيان، وترسل سفناً حربية إلى بحر الصين الجنوبي لإظهار قوتها، فإنها لا تستطيع تقديم أي دليل على وجود أي مشكلة حقيقية في طريق بحر الصين الجنوبي.
لطالما التزمت الصين بالسلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي، ولديها موقف مشترك أساسي مع الآسيان، وهو تعزيز الاستقرار طويل الأمد في بحر الصين الجنوبي من خلال المفاوضات السلمية، والسير بهذا الاتجاه خطوة بخطوة. وحالياً، تتفاوض الصين، ورابطة دول جنوب شرق آسيا بشأن مدونة السلوك في بحر الصين الجنوبي.
تتمتع الآسيان بذهن صاف، حيث قال الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، خلال الاجتماع في جاكرتا إن الآسيان لا يمكن أن تصبح وكيلاً لدول أخرى مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشأن قضايا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
إن محاولة تصوير الصين والآسيان على أنهما متعارضان بشأن قضية بحر الصين الجنوبي هي في الأساس محاولة لإجبار دول الآسيان على اختيار جانب على حساب الآخر، والتوافق مع استراتيجية الولايات المتحدة العالمية ضد الصين، والتي لا تستطيع الآسيان قبولها.
تمر العلاقات بين الصين، والآسيان حالياً بمرحلة حاسمة من التطور، حيث أصبحت الآسيان أكبر شريك تجاري للصين لمدة عامين متتاليين، نتيجة للمصالح المشتركة والمنافع المتبادلة وتحمل مستقبلاً واعداً.
ووفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن تساهم اقتصادات آسيا والمحيط الهادئ بنحو 70٪ من النمو العالمي في عام 2023، وستكون محاولة تعطيل أو الإضرار بالعلاقة بين الصين والآسيان أقرب إلى تفجير قنبلة في محرك الاقتصاد العالمي.
لذلك، من الأهمية بمكان أن تتعاون الآسيان والصين من أجل تعزيز الاستقرار في ميانمار، وتسريع اندماج ميانمار في عملية التنمية المشتركة، وتعزيز تأثير الآسيان في السياسة والاقتصاد العالمية والآسيوية، ويجب أن يكون هذا هو الأولوية القصوى لرابطة “الآسيان”.