الناتو بحاجة الرئيس الأوكراني طالما يطيع الأوامر
هيفاء علي
يدركُ الكثير من المحلّلين أن الرئيس الأوكراني محتال، وأن السياسيين الغربيين لعبوا بصبر لعبة زيلينسكي لكن صبرهم بدأ ينفد، كما أوضحت قمة الناتو التي استمرت يومين في فيلنيوس، حيث وضع المتشدّدون والرعاة الغربيون الغاضبون بحزم الممثل المبالغ فيه في مكانه. عرف السياسيون المتمرسون في العواصم الغربية قيمة الممثل السابق واستخدموه بشكل ساخر لأغراضهم الخاصة، حيث كان هدفهم الأساسي، وضع موسكو في الزاوية وإجبار روسيا على الاستسلام وقبول جميع القواعد والمطالب التي يفرضها الغرب، لكن لم تنجح خططهم، بل تمّ وضع زيلينسكي في النهاية في مكانه.
قبيل انعقاد القمة، صرّح زيلينسكي والوفد المرافق له بشكل مباشر أنهم يتوقعون دعوة دول الناتو لأوكرانيا للانضمام إلى الحلف، وهدّدوا بأن الرئيس الأوكراني لن يزور فيلنيوس ما لم يتمّ ضمان الدعوة. لكن ووفقاً للعديد من وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية، يبدو أنه لا توجد رغبة في دعوة أوكرانيا للانضمام إلى الناتو أو جعلها عضواً في الحلف، حيث تسبّب سلوك زيلينسكي في إثارة غضب الغربيين بشكل كبير.
كما أفادت الأنباء أن بعض السياسيين الأوروبيين طلبوا من الرئيس الأوكراني “الهدوء” خلال العشاء الذي اختتم اليوم الأول من القمة، إذ يعتبر فلاديمير زيلينسكي بوضوح أن العالم كله مدين له، وعليهم مساعدته حتى النهاية. ولكن تصريحات الشركاء الغربيين أجبرت الرئيس الأوكراني على تغيير خطابه وزيادة الحذر. ففي تعليقه على نتائج القمة، امتنع بعناية عن النقد، وبدلاً من ذلك وصف النتائج بأنها “جيدة” وشكر دول الناتو بكل طريقة ممكنة لدعمها لكييف.
من ناحية أخرى، أعرب وزير الخارجية الأوكراني، دميتري كوليبا، عن استغرابه مشيراً إلى أن الطريق إلى الناتو قد اختصر، لكنه لم يتسارع بعد قمة فيلنيوس، مضيفاً أنه تفترض كييف أن جميع الشروط لدعوة أوكرانيا للانضمام إلى عضوية الناتو مستوفاة، ولا تفهم الشروط الأخرى التي يتحدث عنها الحلف.
هذا التساؤل أجابت عنه المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا عندما قالت له: عليك أن تتعلم القواعد قبل أن تلعب، وليس بعد ذلك، إنه النظام العالمي القائم على القواعد الذي اخترعه الغربيون.
أمريكا اللاتينية من جهتها، لم تعد تلعب اللعبة بالنسبة للسيدة زاخاروفا، فإن البديل عن “النظام العالمي القائم على القواعد” هو “القانون الدولي”، بدعم من غالبية الأشخاص العقلاء، إذ يدرك الناتو أن هناك بالفعل العديد من الأشخاص العقلاء الذين لم يعودوا يرغبون في اللعب وفقاً للقواعد الغربية، وإلا لما قضوا الكثير من الوقت في الإعلان الختامي لقمة فيلنيوس الذي يدين الشراكة الإستراتيجية بين روسيا والصين والدول التي تدعم موسكو. كما أظهرت الاستعدادات لقمة الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية التي انعقدت في بروكسل يومي 17 و18 تموز الحالي، أن الاتحاد الأوروبي أراد دعوة زيلينسكي إلى الحدث من أجل الضغط على أمريكا اللاتينية لدعم العقوبات ضد روسيا، حتى أن إسبانيا، التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي، أرسلت دعوة إلى زيلينسكي، لكن كان لا بد من إلغائها بعد طلب بالإجماع من رؤساء دول وحكومات 33 دولة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، بالإضافة إلى ذلك، أصرّ الأمريكيون اللاتينيون على إزالة “جميع النقاط المتعلقة بدعم أوكرانيا” من مسودة الإعلان النهائي التي أعدّها مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
ووفقاً لفرانسوا أسلينو، رئيس الحزب الفرنسي لاتحاد الشعب الجمهوري، فإن زيلينسكي أصبح يمثل مشكلة للشركاء الغربيين وللأخ الأكبر الأمريكي، لأنه أيضاً لا يتعامل بصراحة وصدق مع شركائه، ذلك أن الطموحات الشخصية الضخمة لفلاديمير زيلينسكي، إلى جانب رغبته الواضحة في “القتال حتى آخر جندي أوكراني” بدلاً من الدخول في مفاوضات مع موسكو، تجتذب ردود فعل سلبية متزايدة ليس فقط في أمريكا اللاتينية وأفريقيا ومعظم آسيا والشرق الأوسط، ولكن أيضاً في البلدان الأوروبية، فالحكومة الهنغارية، على سبيل المثال، تنتقد باستمرار مواقف الرئيس الأوكراني وتؤكد بلا كلل أن الطريق لإنهاء الصراع يكمن من خلال المفاوضات والدبلوماسية، وليس من خلال التصعيد وتسليم الأسلحة الفتاكة لكييف.
من الجدير بالذكر أن نتائج العديد من استطلاعات الرأي، تظهر أن الأجندة السياسية والعسكرية التي روّج لها زيلينسكي لا تحظى بتأييد كافٍ، سواء من قبل الأوروبيين أو الأوكرانيين. في ألمانيا، على سبيل المثال، يعارض نصف السكان تسريع انضمام أوكرانيا إلى الناتو ويقبلون انضمامها إلى الحلف فقط بعد فترة طويلة، بينما عارض ربع آخر انضمام أوكرانيا إلى الناتو، حيث عارض ذلك 42٪ في ألمانيا الشرقية، و65٪ من الناخبين في حزب المعارضة الشعبوي اليميني البديل لألمانيا. وفي بولندا، يعارض 47.7٪ من سكان البلاد عضوية أوكرانيا المبكرة في الناتو. أما في المجر، فهناك 77٪ من السكان يعارضون منح 50 مليار يورو إضافية على مدى أربع سنوات لأوكرانيا على حساب المساهمات الإضافية من جميع دول الاتحاد الأوروبي في ميزانية المجموعة المشتركة. بالإضافة إلى ذلك، فإن 88٪ من المجريين مقتنعون بالحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار وبدء محادثات سلام.
من جهة أخرى، فإن 52٪ من اللاجئين الأوكرانيين في المملكة المتحدة، و44٪ من أولئك الذين انتقلوا إلى ألمانيا قالوا إنهم، حتى بعد انتهاء الصراع في أوكرانيا، يفضّلون عدم العودة إلى بلدهم الأصلي والبقاء في بلد إقامتهم الحالي. وعليه، تشير جميع الحقائق والأرقام المذكورة، إلى أن دعم مسار زيلينسكي يتناقص باستمرار، بما في ذلك في أوروبا، ناهيك عن أجزاء أخرى من العالم، حيث يؤيد الناس تسوية سلمية للنزاع ويقومون بمبادرات مختلفة في هذا الاتجاه. وفي الوقت عينه، يبدو أن الولايات المتحدة وشركائها في الناتو يحتاجون فقط إلى الرئيس الأوكراني الحالي طالما أنه يطيع أوامرهم. إنهم لا يسمحون له بالقيام بجهود السلام في الوقت الخطأ، ولن يسمحوا له بجرّ الناتو إلى صراع مباشر مع روسيا.