الشعب بين “مجلسه” و”حكومته”
أحمد حسن
بأكثر التعابير الممكنة “حياداً”، يمكن وصف المرحلة التي نعيشها بأنها عصيبة معيشيّاً، وذلك أمر مسلّم به من الجميع على اختلاف مواقعهم وأماكنهم، لكن اللافت فيها أمران، أوّلهما تفرّدها بحديّة “الانحدار” المعيشي حتى عن أصعب لحظات الحرب المجنونة، وثانيهما ما بدا من تردد حكومي واضح في مواجهتها، الأمر الذي جعل الصورة تظهر أمام المواطن العادي وكأن كرة الثلج أصبحت متفلّتة من كل ما يمكن ردعها به، وخاصة بعد أن أصبح التراجع في مؤشرات “السلة الغذائية” يومياً وأحياناً لحظياً للشريحة الأوسع من المجتمع السوري.
ذلك، فعلياً، ما دفع بعض الأسئلة و”الألسنة الوطنية” إلى ملامسة، بل اجتياز، بعض الخطوط الحمر في “القول” والتحليل “يسندها” في ذلك ما رأته من تحوّل الحكومة عن الدور الدافع والداعم للإنتاج التنموي المأمول منه مساعدة المواطن على الصمود في وجه العقوبات والحصار الخارجي الجائر إلى “الجباية” فقط لا غير، حيث بدا وكأنه ليس هناك من “وزارة” إلا وهمّها زيادة مواردها عن طريق رفع الرسوم والضرائب والأسعار التي ساهمت في إخراج فاعل اقتصادي جديد أو مطرح إنتاجي ما، مع مطلع شمس كل يوم، كما ساهم ما تدعوه الحكومة بـ “تعديل الأسعار” المفاجئ الذي لا يُعلن عنه، للمفارقة، إلا ليلاً، في “إسقاط” فئة اجتماعية أخرى كل يوم تحت خط الفقر.
أكثر من ذلك، فقد بدا من الاستجابة السريعة لرفع أسعار بعض الخدمات والمنتجات التي تقدّمها قطاعات مختلفة، بالتزامن مع انكماش خدمات الحكومة العامة، وكأن كل شريحة تنسج علاقة مختلفة، بينما لا تجد هذه الأخيرة ما تعلّق عليه ضعفها وقلّة حيلتها سوى الحصار الاقتصادي الجائر، الأمر الذي دفع المواطنين إلى التساؤل عن نجاعة خطط المواجهة وعن فعاليّة أدوات الحكومة في التخفيف من أثرها.
وهنا تحديداً تكتسب جلسة مجلس الشعب الاستثنائية هذه أهميتها البالغة في وضع النقاط على الحروف، ليس فقط للسؤال والاستفهام عن سبب ما حصل ويحصل، بل أيضاً للحساب والمساءلة، وخاصة أن المجلس يملك، حسب الدستور النافذ، أدواتٍ فاعلة في هذا المجال، ويستطيع بالتالي تفنيد السياسات الحكومية الحالية للمساهمة – وهذا دوره – في إعادة تصويب البوصلة وتوجيهها نحو هدفها الرئيس: المواطن أولاً وأخيراً.
وهنا أيضاً يمكن القول: إن النقاش الحقيقي والفاعل هو ذلك الذي يستهدف السياسات لا الأفراد على أهمية نقاش هؤلاء ومحاسبتهم، فدفع الإنتاج قدماً لا يتسق مثلاً مع رفع أسعار حوامل الطاقة، وتأمين المواد المعيشية بسعر عادل لا يتحقّق بحصريّة الاستيراد، كما أن مواجهة الحصار الخارجي ليست ممكنة في ظل اقتصاد خدمي وريعي، وبالتالي لا بدّ من إعادة تصويب السياسات المالية والاقتصادية السابقة واجتراح الخطط الجريئة لإنقاذ القطاع العام باعتباره ركيزة سورية مقدّسة أثبتت أنها الضامن الحقيقي للبلاد، وحين لعبت به أيدي “اقتصاديي السوء”، إفساداً وخصخصة سافرة أو مقنّعة، كان ما كان، والأهم، التركيز على القطاع الزراعي الذي يشكّل الركيزة الأساس للأمن الغذائي، وبالتالي السياسي والوطني، كما أثبتت التجربة.
وهنا أيضاً، يمكن لبعض الخطوات “البسيطة” أن تحقق الكثير في علاقة المواطن والحكومة، منها مثلاً نشر جدول تقنين الكهرباء في كل المحافظات كي لا يُترك المجال مفتوحاً للشائعات بآثارها السلبية ولمن يودّ الصيد في الماء العكر، ومنها أيضاً الشفافية الكاملة في إدارة ملف “الليرة” باعتبارها أُسّ “المعاش” وأساسه، فيُفترض بالحكومة، أي حكومة، أن تسارع في كل مرة إلى إعلام المواطن بما يحدث بدقة وشفافية واستمرارية، والأهم المسارعة إلى اتخاذ الإجراءات الاقتصادية المناسبة بالتزامن مع إيقاع العقوبات القاسية بالأذرع الداخلية – “الداعشية بامتياز” – التي تشارك في جريمة “الليرة” وتتلاعب بمصير البلد، وإعلان العقوبة واسم المعَاقَب مهما كانت صفته وموقعه، لأن للإعلان انعكاساتٍ نفسية، رادعة، من جهة أولى، لبقية “الداعشيين”، ومطمئنة، من جهة ثانية، للمواطن الخائف في ظرف حربي بامتياز.
بهذا المعنى، وبغض النظر عن مجريات الجلسة ونتائجها، فإنه بهذه المكاشفة والمصارحة، وبتفعيل الأدوات التدخّلية الدستورية في أيدي أصحابها، يمكن للشعب أن يرتاح لغده بين “مجلسه” و”حكومته”.