اليوم .. بين مجلس الشعب والحكومة!
بشير فرزان
كثُرت التكّهنات حول ما سيتمخّض عن نتائج الدورة الخامسة الاستثنائية التي دعا إليها مجلس الشعب اليوم، الاثنين، لدراسة ومناقشة الواقع الاقتصادي المعيشي وسعر الصرف. وعلى الرغم من حالة الترقب والإثارة التي فرضتها الدعوة، وخاصة لجهة مداعبتها لآمال الناس وتطلعاتهم بقرارات جريئة وعلى مستوى التحديات، إلا أن هناك مخاوف وتوقعات، في الوقت نفسه، من الجنوح نحو حالة من الخطابات الاستعراضية التي ستكون حاضرة كالمعتاد في مجلس الشعب، وعلى وسائل الإعلام، ومواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، بحيث تتزاحم المعلقات الخطابية والكلمات النارية في “عرس” المواطن المعيشي!
والسؤال الأهم الذي يتوجّب على أعضاء مجلس الشعب الإجابة عنه يتمحور في سؤال بسيط: ما العمل مع الأداء الحكومي القائم؟ وهو ما يستوجب حذف كلّ ما يدور في دائرة حرف السين “سوف وأخواتها”، خاصة وأن المواطن عانى ويعاني من سنوات طويلة أوجاع الحرب وتداعيات الحصار التي أثقلها ضعف الأداء الحكومي وعجز الخطط عن انتشاله من الفقر والحاجة، بل وقد يصرّ البعض على رحيل الحكومة في أسرع وقت ممكن كونها أوهنت الثفة العامة بقراراتها غير الفاعلة، وأقعدت الأمل الشعبي وأخمدت شعلة تفاؤله، وجعلته تحت أنقاض مئات القرارات المخيّبة لتطلعات الناس في كلّ تفاصيل حياتهم اليومية. وهنا نركز على موضوع غاية في الأهمية يتعلق بإعادة النظر في الحقائب الحكومية من ناحية الدمج وإحداث حقائب جديدة وتغيبر منظومة العمل واختزال كتلة النفقات الكبيرة جداً على البروتوكولات، بما فيها الجهاز الخدمي، وغيرها من القضايا غير موجبة الحضور في هذا الوقت العصيب.
ولا شكّ أن من تابع ويتابع واقع الانهيار الحاصل في الواقع الاقتصادي المعيشي يلحظ أن ما يحدث بعيد تماماً عن نهج الحكومات في الحروب والأزمات، فليس هناك خطط مدروسة من مستوى “النفس الطويل” في معالجة الأزمات، بل مجرد قرارات ارتجالية، كما حدث في قرار تخفيض كميات البنزين بالأمس وغيره من القرارات. وطبعاً نحن لا نريد تجريم الحكومة والتقليل من جهودها، بل نعمل على كبح جماح الخطاب الحكومي الذي جلد الناس بسياط القلة والعوز، إلى جانب واقع خدمي مرير، حيث ابتدعت وزارة الكهرباء منظومة تقنين غير عادلة وتبعتها بخطوط ذهبية لتزيد من حدّة التباين داخل المجتمع، وبشكل أتاح للبعض الحصول على امتيازات غير قانونية، ومنها الأمبيرات التي كانت أبغض الحلول للمواطن، ولن ننسى هنا صعوبة المقارنة بمستويات الدخل الشهري التي باتت بمستوى مصروف الجيب اليومي، هذا عدا عن طرح الكثير من إشارات الاستفهام حول قضايا تتعلّق بعدم تكامل الإجراءات الإصلاحية والسير بخطى مجتزأة، حيث يتمّ العمل على إصلاح قطاع الزراعة بمعزل عن الصناعة لتكون النتيجة المراوحة في المكان والعودة إلى خط البداية، وهذا ما فتح الباب على مصراعية أمام نهج الارتزاق والاغتناء. ولو أن الأجهزة الرقابية قامت بدورها الحقيقي والفعّال لما تأخر الإصلاح إلى هذا الوقت الذي تصدر فيه عشرات القوانين التي لا تحرك ساكناً، كما يُقال، بل على العكس تزيد تعقيد الأمور كما هي الحال في التحفيز الوظيفي الذي يحرم عشرات الآلاف من المتقاعدين من أي زيادة، إلى جانب عدم وجود معايير لتقييم الأداء وكيفية احتساب قيمة التحفيز بعد ربط ذلك بالإنتاج، وهنا نتوقف عند مهنة الصحافة وكيفية تحفيز من يعمل بهذه المهنة؟!
بالمختصر، اليوم سيكون البلد على موعد مع استحقاق شعبي من الطراز الأول، حيث يقف أعضاء المجلس على تماس كامل ومباشر مع الصفيح اللاهب للحياة المعيشية، وحيث الانفلات غير المسبوق بسعر الصرف وبالأسعار، إلى جانب انزلاق خطير إلى الفقر ليس لذوي الدخل المحدود، رغم أن هؤلاء على يقين أنه حتى هذه اللحظة ليس هناك عمل حكومي متقن أو يحقق نتائج إيجابية تؤدي إلى تجسير العلاقة مع الناس، وغالبية ما يتمّ هو من العيار العشوائي، والأمثلة كثيرة على ذلك، فقد تمّ التراجع عن العديد من القرارات والتعاميم لعدم وضوح الهدف، وهذا ما يستدعي إعادة النظر بطريقة عمل الهيئات الرقابية وإعادة هيكلتها بشكل أكثر جدية لكي تقوم بعملها على أكمل وجه، وبشكل صحيح يليق بالمرحلة المقبلة، ويحاسب ويقتصّ من الجهة المقصّرة، وبذلك يسير العمل الحكومي في مسارات إحياء الشعب الذي يستحق الحياة الكريمة.
باختصار يريد الناس أن يكون تحت قبة مجلس الشعب ممثلون “عن” الشعب، وكفى!!.