الحكومة خيّبت آمال المزارعين!!
توقفنا مطولا عند تصريحين لافتين لوزيري الزراعة والصناعة حول محصول الشوندر السكري، الذي كان، حتى العام 2010، من الزراعات الإستراتيجية الصناعية في سورية.
لقد استنفر الوزيران فجأة لنجدة مزارعي الغاب الذين تورطوا بزراعة محصول الشوندر على أمل ان الحكومة ستوفر مستلزماته بأسعار مدعومة وبأوقاتها المحددة، أي المبرمجة وفق حاجة المحصول من الأسمدة والمحروقات والمياه، وأن يُتوج كل ذلك يسعر مجز!!
وبما أن الحكومة خيّبت أمال من تجاوب من المزارعين مع وعودها، فلم تدعمهم، وبما أن اللجنة الاقتصادية أمرت بعدم تصنيع الكميات الهزيلة الناجمة عن مساحة صغيرة لاتتجاوز 855 هكتارا، فإن وزير الزراعة أكد جازما “أن كل الجهات المعنية ملتزمة بكل ما تم الاتفاق عليه مع الفلاحين واستلام كل المحصول منهم”!
وبعدها بيوم، أكد وزير الصناعة أيضا “أن الحكومة ملتزمة باستلام محصول الشوندر السكري من الفلاحين الذين تعاقدوا على زراعته مع شركة سكر تل سلحب”، أي شركة سكر الغاب.. الغريب جداً أن وزير الزراعة لم يكشف عن أسباب تورط بعض المزارعين بمحصول غير مدعوم، ولا بالأسباب التي دفعت بغالبية المزارعين في الغاب على رفض التقيد بخطة الوزارة للشوندر والبالغة 1392 هكتارا!
السؤال: إذا كانت هناك أسباب موضوعية خارجة عن سيطرة وزارة الزراعة أدت إلى تقلص مساحة الشوندر من 30 ألف هكتار حتى عام 2010 إلى 1392 هكتارا في موسم 2023 ..فما هي الأسباب الذاتية التي منعت وزارة الزراعة من تأمين مستلزمات مساحة من الشوندر كافية لإنتاج مالايقل عن 250 ألف طن كافية لتشغيل شركة سكر الغاب؟
من المحزن أن تتحول مهمة شركة سكر الغاب من استخرا ج السكر من 250 ألف طن خططت وزارة الزراعة لإنتاجها، إلى مهمة استلام 33 ألف طن شوندر من الفلاحين المتورطين بإنتاجه بسعر أقل من كلفته (لتقطيعه وتجفيفه وتسليمه إلى المؤسسة العامة للأعلاف)!
ولم يعد الوزيران بتعويض المتورطين عن خسائرهم الناجمة عن تضرر 60 بالمئة من المحصول نتيجة التأخر بقلعه، واكتفيا بالقول “أن هذا الموضوع سيدرس من قبل اللجان المختصة”، وهذا يعني أن الجهات التي لم تدعم المزارع خلال دورة المحصول، لن تهتم بخسائره، لا الآن، ولا في المستقبل، مثلما يحصل مع كل العاملين في الزراعة!
أليس غريبا ومريبا أن تستنفر فجأة عدة جهات لاستلام كمية هزيلة من الشوندر لتحويلها إلى أعلاف، ولا تستنفر لتأمين مستلزمات إنتاج ما لايقل عن 250 ألف طن لتشغيل شركة الغاب لإنتاج جزء من حاجتنا من السكر مع مايعنيه ذلك من دعم للمزارعين وتوفير للقطع الأجنبي ولو بالنزر القليل!
لقد دق مزارعو الغاب مع بداية العام الحالي جرس الإنذار: إذا لم تدعموا زراعة الشوندر هذا العام بالمحروقات والسماد وبشرائه بسعر مجز فسنستبدله بمحاصيل أخرى! وفعلا امتنع عدد كبير من الفلاحين عن زراعة أراضيهم هذا العام بالشوندر، لأن زراعته أصبحت غير مجدية وخاسرة، فتكلفة الدونم الوتحد تتجاوز مبلغ 700 ألف ليرة، لأن الفلاح يشتري مستلزماته من السوق السوداء، وبما أن دورته الإنتاجية طويلة ومردوده المادي ضعيف فلماذا سيستمر بزراعته؟
وكررت الروابط الفلاحية مرارا لوزارة الزراعة أن العمل الزراعي، في ظل الظروف الحالية، لم يعد مثمراً وخصوصاً بعد رفع أسعار الأسمدة للضعف، وكذلك رفع سعر البذار والمحروقات، عدا أجور حراثة الأرض وجني المحاصيل ونقلها لمراكز التسويق، ولكن أصوات الأجراس العالية لم تصل لمن بيده قرارات الحل!
ويفترض أن تهتم اللجنة الاقتصادية بآراء الجهات المعنية بمحصول الشوندر، وهي رأي وزارة الزراعة التي تضع خطة زراعته وخطة تأمين مستلزماته، ورأي وزارة الصناعة المهتمة بتأمين مادة الشوندر بما لا يقل عن 200 ألف طن لتشغيل شركة سكر الغاب، وبرأي التنظيم الفلاحي المعني بدعم زراعة المحصول بالشكل الذي يحقق أرباحا مزية للمزارعين.. فما الذي يحصل؟
الخلاصة: اللجنة الاقتصادية تجاهلت آراء الجهات الثلاث، فلم تكترث لتراجع زراعة الشوندر ولا لتوقف العمل بشركة سكر الغاب، لكنها استجابت، وتستجيب دائما وفورا لطلبات التجار باستيراد السكر بالقطع الأجنبي.. فلماذا؟
علي عبود