الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

في ثقافة الحفاظ على غاباتنا

مروان حويجة

حملت  الحرائق الكارثية المدمّرة التي اجتاحت غاباتنا  -بلاهوادة –  مرارة متجددة تلظّت بها القلوب كما الأشجار التي أحالتها النيران رماداً فاحماً، وفي تفاصيل المشهد الناري الدامي تعود مجدداً مشهدية الألم والمرارة التي لاتزال تخيّم على حراجنا النازفة، فتعود الذاكرة القريبة إلى كارثة الأمس القريب التي عصفت بغطائنا الأخضر قبل عامين، وتتوالى حلقات النزيف الحراجي المؤسفة التي ينفطر لها القلب وتدمى بها العيون المكتوية بنيران ملتهبة تلظت بها غاباتنا لتكون على موعد غير منتظر مع خسارة مؤسفة تدعو للحسرة و المرارة، وما يدعو للأسى والأسف أكثر أن غاباتنا الخضراء لا تزال أسيرة نيران الحرائق التي تشكّل الخطر الأكبر، والعدو الأول للغابة بصرف النظر عن مصدرها و سببها و حجمها، لأنها تستنزف دونما رادع مساحات واسعة من ثروتنا الحراجية، فتلقي هذه الحرائق ظلالها القاتمة على الغطاء الأخضر والموارد الطبيعية والمقومات البيئية مسبّبة  كارثة اجتماعية واقتصادية وبيئية وجمالية، ما تسببت به حرائق الأمس من حالات هلع وذعر وخوف، وإخلاء السكان من منازلهم ونقلهم إلى مراكز الإيواء ليكونوا بمنأى عن ألسنة النار تفادياً للخسائر والأضرار البشرية،  وما أسفرت عنه من تفحّم الأشجار الخضراء المعمّرة، والأصناف الحراجية النادرة،  وتشوّه المعالم الجمالية الساحرة، هي مأساة للبشر والشجر والحجر،  كما حملت خطراً وضرراً  للتنوع الحيوي الطبيعي البالغ الأهمية في تشكيل البيئة الخصبة للأحياء التي تكون الغابات مقصدها وملاذها، إضافة إلى خروج عدة مواقع مطروحة كمناطق للسياحة البيئية كونها محميات طبيعية غنية بمحتواها ومخزونها الطبيعي، وانحسار المشهد الطبيعي الأخضر الذي يتفرد بأصناف حراجية نادرة. وتحتّم هذه الحرائق الكارثية التوجّه الفعلي السريع نحو تفعيل التشاركية الحقيقية مع المجتمع المحلي، وتعزيز ثقافة الحفاظ على الشجرة وأهميتها ودورها بوصفها رئة الطبيعة وشريان الحياة، وكما تبدو الحاجة أكثر من مستعجلة لإعادة النظر في  التعاطي المجتمعي والمؤسساتي الغابة  بكل جوانب أهميتها السياحية والصحية والجمالية بما تشكّله الغابات من روافد حيوية بالغة الأهمية، وتكريس هذه الأهمية والاهتمام ثقافياً وتربوياً وتعليمياً وقانونياً، لأن الحفاظ على الغابة وحمايتها ورعايتها وحسن ارتيادها وسلامة التعاطي معها ثقافة كاملة ومتكاملة بحدّ ذاتها، لا تحتاج إلى الحفظ عن ظهر قلب فحسب، وإنما تحتاج إلى التطبيق من كل قلب .