ثقافةصحيفة البعث

الثنائي سمر بلبل ود. عصام شريفي في أمسية تتغنى بعشق دمشق

ملده شويكاني

“لدمشق حفيف لا لن يموت.. وفي كل نسمة ذكريات تتعدى ذاكرة البشر”، هو مطلع قصيدة  لدمشق كتبها د. عماد فوزي الشعيبي، وغنتها سمر بلبل على وقع ألحان د. عصام شريفي في أمسية قدمها هذا الثنائي الرائع في دار الأوبرا، وصدحت بعشق دمشق والشوق المحمّل بحنين اللقاء بعد غياب، بمرافقة الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو نزيه أسعد.

عشق المدينة

وقد استهل الأمسية د. عماد فوزي الشعيبي بقراءاته جزءاً من أجمل ما كتبه محي الدين بن عربي بعشق دمشق ” عن العشق والجوى”، مبييّناً فيها سحر المكان الذي يشغل القلب: ” بعض العشق قد يخبو، ولهذا فكل عشق يخبو لايعوّل عليه، إلا عشق مدينة، وحده الذي يعوّل عليه، لأنه لا يزول ولا يضاهيه عشق، وحدها المدن الآسرة تكون بديلاً من الرحم الأول”.

درجات الحب

ثم تابع عن درجات الحب إلى الأربعين، ليصل إلى ما قاله ابن عربي بعشق دمشق: ” يبدأ الحب بالهوى ثم العلاقة ثم الكلف ثم الشغف ثم الجوى ثم التيم ثم التدليه ثم الهيوم، بكل درجاته أحب دمشق”.

 القانون والناي

وتألفت الفرقة الموسيقية من تشكيلة ضمت الوتريات والإيقاعيات مع الدرامز، وبدور خاص للقانون والناي بمشاركة البيانو ود. عصام شريفي على العود الذي كان له دور بالمرافقة الغنائية.

قدمت بلبل مجموعة أغنيات من ألحان د. عصام شريفي المتأثر بالمدرسة الطربية، كما غنت بصوتها الشجي مختارات كلثومية وطربية.

وتميزت الأمسية بالحضور الراقي للثنائي المغتربين في فرنسا، واللذين قدما أمسيات شرقية في أوروبا والمدن الفرنسية، بجمالية أداء سمر بلبل الحاصلة على دبلوم بالغناء الكلاسيكي التي وظّفت تقنيات الغناء الكلاسيكي بتدرجات ومقامات صوتها المتدرجة والممتدة، معتمدةً على الطبقات العليا من العُرب الصوتية، وركزت على التقطيع الغنائي بالمفردة التي تتجاوز سحر الجملة الغنائية الموسيقية.

كما تميزت الأمسية بتداخل الصولوهات مع اللحن الأساسي بدور كبير للقانون –ديمة موازيني- والناي- ماهر علي-.

وبعد قصيدة دمشق التي اتسمت بزخم موسيقي قوي زاد من جمال القصيدة، لاسيما بالفواصل الموسيقية مع الآهات ودور الناي وبالقفلة المتتالية،  غنت بلبل  ” ساعة ما بشوفك جنبي”-كلمات حسين السيد وألحان محمد عبد الوهاب- وتخللها فاصل القانون لتصل إلى تكرار الرتم الغنائي بمرافقة د. شريفي على العود ” تهجرني برضه أحبك، تنساني برضه أحبك” .

القمر والشمس

تلتها ” قللي القمر” كلمات د.جهاد صباهي وألحان د. شريفي، وهي مناجاة عاطفية بين الحبيب وطيف المحبوب، متمثلاً عناصر الطبيعة، القمر والشمس، وشغلت تمتمات الصوت وامتداداتها بمفردة ” الشمس” حيزاً.

كلثوميات

الفاصل القريب من الجمهور كان بفقرة كلثوميات ” ميكس” من إعداد د. عصام شريفي، بدأتها بـ أنت عمري والمقطع الرائع ” رجعوني عنيك لأيامي اللي راحت” وانتهت بالأغنية الأقل صعوبة ” الليلة عيد” .

وعودة إلى دمشق غنت ” كل الدني” كلمات عمر قريشي وألحان د. شريفي، تغنت بالشام: ” كل الدنى خلقت عل كتف الشام” سُبقت بصولو الناي، وخصّت فيها مفردة الشام بتدرجات صوتها.

الغناء الأوبرالي

الأغنية الأخيرة ” تعرف” كلمات د. هداية مدني من مصر وألحان د. عصام شريفي، كانت الأجمل وحملت مفاجأة جميلة، إذ مزجت فيها بلبل بأسلوب رائع بين تقنيات الغناء الأوبرالي والكلاسيكي بحوارية عاطفية تؤكد على الغيرة والاستئثار بالمحبوب ..” يا بقلبك ابقى أصيلة، زيك من قلبي تمام”.

الأغنية الأصيلة

وبعد الأمسية تحدثت الدكتورة وزيرة الثقافة لبانة مشوّح عن جمالية الإصغاء إلى الأغنيات الطربية في زمن طغت فيه السوشل ميديا، وأشادت بالثنائي سمر بلبل ود. عصام شريفي، متمنيةً لهما مزيداً من النجاح والانتشار، والخيار الموفق للكلمة التي ترقى إلى مستوى الأغنية الأصيلة المتكاملة من حيث الكلمة واللحن المناسب والصوت.

استحضار أسمهان

وعقبت على سؤال “البعث” عن إدخال تقنيات الغناء الأوبرالي بالغناء الكلاسيكي العربي، بأن بلبل تابعت دراستها العليا ووصلت إلى الغناء الأوبرالي، وما قدمته يعيد بنا الذاكرة إلى أسمهان باستخدامها الطبقات العالية وبتدرجات العُرب الصوتية، وبإدخالها الغناء الأوبرالي بالغناء الكلاسيكي العربي، وهذا ضمن تاريخ الغناء العربي.

مناخات لحنية

وتابعت “البعث مع د. عصام شريفي في حديث خاص عن بعض النقاط، مثل الاعتماد على التكرار والتقطيع بلحن أغنية قصيدة لدمشق-كلمات د. عماد فوزي الشعيبي- ، فأجاب: بدأت طربية مع بعض التكرار حتى تكون سلسة على المتلقي، وجاءت النهاية بصخب وبلحن قوي نتيجة الانتقال من حالة العشق إلى حالة الفخر والعنفوان، فاختلف المناخ اللحني المركب.

ربط بين زمنين

وفيما يتعلق بالخصوصية اللحنية للأغنية التي كتبها د. هداية المدني” تعرف”، عقب: إنها باللهجة المصرية فتأخذني إلى مدارس الكبار التي تربيت عليها وتأثرتُ بها، أردتُ أن أوجد من خلالها حالة ربط بين الزمن الجميل والزمن الحالي من خلال الخلط بينهما، فعملتُ على تنويع الجمل الموسيقية والإيقاعيات وإدخال الغناء الأوبرالي الذي تتقنه سمر بلبل لخلق مناخات عدة ونقاط جذب لجيل الشباب، وإيجاد موسيقا جديدة بمعايير عالية وفي الوقت ذاته يتابعها الجيل الجديد.

وعن سؤالي عن الإطالة على الساكن بحرف الميم بمفردة “الشمس” أجاب بأن حالة الصراع بين الشمس والقمر بإسقاط الحالة الغزلية على الطبيعة، تطلبت ذلك، وبأن بعض الأحرف لا نستطيع الإطالة بها مثل الراء إذا كانت بموضع الساكن، وقد تعمدت أن تكون الشمس بامتداد طويل وبالوقوف على الميم، ومن الوارد الوقوف على الساكن بحرف الميم والإطالة لإظهار ما بعدها.

كما أشار إلى جمالية مفردات أغنية كل الدنى-كلمات عمر قريشي- باللهجة الشامية بأسلوب مختلف.