ملاجة “عمران” وحصين البحر “ونوس”.. لماذا انطفأ مهرجانهما الساطع…!؟
وائل علي
لماذا خبا وانطفأ مهرجانا الملاجة وسعد الله ونوس اللذان كانا يقامان كل عام في مسقط رأس عملاق الشعر والأدب الكبير الراحل محمد عمران في” الملاجة” و”حصين البحر” مسقط رأس عملاق الأدب المسرحي والصحفي الراحل سعد الله ونوس، كاتب رسالة المسرح الأممية “إننا محكومون بالأمل”، حتى وصلت شهرة المهرجانين الآفاق؟
ورغم مرور سنوات على توقفهما وسط تقاذف المسؤوليات والتبرؤ من الأسباب والدواعي، لايزال طيف وسحر مهرجانا الملاجة وسعد الله ونوس يهيمن على ذاكرة شريحة المثقفين على وجه الخصوص إلى جانب المهتمين والمتابعين الشغوفين بطقس وطبقة النخبة المثقفة.
لكن الحقيقة الأكيدة أن مهرجانين إبداعيين ثقافيين مهمين خسرتهما طرطوس واحدا تلو الآخر بعد أن استطاعا أن يشكلا طوال فترة انطلاقهما القصيرة نسبياً بجهود محض فردية وربما عائلية إلى حد كبير بعيداً عن الطابع الرسمي الذي كان غائباً بالكامل وربما مغيباً لغاية ما – أغلب الظن – عن أي دور أو حضور أو فاعلية فاقتصر الأمر على تعاون المنظمين مع المجتمع الأهلي والفعاليات الاقتصادية ودعمها.
وقد استطاع المهرجانان أن يشكلا معاً علامة ثقافية فارقة استطاعت اجتذاب الجمهور العريض من كل أنحاء سورية والدول المجاورة، وشد كبار السياسيين والنواب والمثقفين للحضور والمشاركة كشاعر الحداثة الكبير أدونيس، والصحفي اللبناني المعروف طلال سلمان، والمغني المصري الشهير صاحب الأغنية الذائعة الصيت “الليلة يا سمرا”، محمد منير، والصحفي اللبناني المقاوم الراحل أنيس النقاش، والممثلة اللبنانية نضال الأشقر، والشاعر والصحفي اللبناني زاهي وهبي، ومخرجين وشعراء وكتاب وملحنين وموسيقيين مصريين وسوريين ولبنانيين وعراقيين، ومن دول المغرب العربي من محبي وأصدقاء الراحلين الكبيرين الذين كانوا يحرصون على الحضور، وتقديم مساهماتهم الإبداعية رسماً وشعراً وموسيقا وعزفاً وغناءً وفلسفة وسياسة وسط تناغم وتفاعل واهتمام شعبي قل نظيره كانت تفتقر له المهرجانات الرسمية التقليدية التي كان يعاني أغلبها من التنميط والتكرار والإبداع، ولا ننسى بطبيعة الحال حضور كبار المؤسسات والمحطات الإعلامية الكبيرة العربية والأجنبية المرئية والمسموعة والمكتوبة جنباً إلى جنب مع مؤسساتنا الوطنية لنقل وتغطية وقائع هذين الحدثين…!
ليخبو وينطفئ فجأة ذاك الوهج والإشعاع الذي أضفاه مهرجانا الملاجة وحصين البحر ودخولنا حالة من التصحر الثقافي المهرجاناتي الذي تزامن تقريباً مع أو سبق بقليل ليل التغريبة السورية الطويل مطلع العقد الثاني الماضي…
ومن المضيء حقاً في مسيرة هذين المهرجانين البارزين أنهما استطاعا خلال فترة وجيزة أن يشكلا هوية وبصمة ثقافية مختلفة عن كل المهرجانات، ولا تزال ذكراهما تسكن في الوجدان والذاكرة رغم يفاعتهما وطول غيابهما وتوقفهما عن “الصدور” الذي يختلف الكثيرون في تحديد ماهيّته وأسبابه ومبرراته، وعدم اكتراث المؤسسات الثقافية الرسمية في إعادة إحيائهما لما يمثله الراحلان من قيمة وطنية تتجاوز الحسابات العائلية الضيقة أو أي اعتبارات أخرى…!
كمال بدران مدير ثقافة طرطوس أكد الأهمية التي بلغها المهرجانان وحضورهما القوي على الساحة الثقافية المحلية والعربية والدولية وقال: رغم عدم وجودي حينها كمدير للثقافة بل كمتابع لكن أعلم المحاولات التي كانت تجري مع القائمين على المهرجانين لكنها قوبلت بنوع من الجفاء وعدم الرغبة والرضا في التواصل كجهة رسمية أو أن يكون لها أي دور في إحيائهما…!
لكن “بدران” وعد تكرار المحاولة لإعادة إطلاق مهرجانا الملاجة وسعد الله ونوس وإدراجهما على قائمة المهرجانات التي ترعاها وزارة الثقافة على قاعدة أن ما بلغه الراحلان عمران وونوس ليس إرثاً أو ملكاً فردياً وعائلياً، بل يتعداه ليشكل قيمة وطنية هي من حق الشعب السوري برمته ولا يصح الاستئثار به والأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى…
الغريب أننا توجهنا بالسؤال لعدد من المثقفين ممن كانوا يتابعون حضور فعاليات المهرجانين والبعض كان له العديد من المشاركات والمساهمات فيهما لمعرفة رأيهم بأسباب توقف المهرجانين، لكنهم آثروا على ما يبدو عدم الخوض في هذا المضمار ولا الكشف عن رأيهم وموقفهم!
ترى هل يتعلق الأمر فعلاً بالموقف العائلي للراحلين حقاً، وما يكتنفه من خلافات شخصية أم أن هناك ما هو خفي وغير معلن لا يريد و لايقوى البعض على البوح به…!
لكن تظل الحقيقة الأكيدة الوحيدة الظاهرة للجميع أنه بتوقف هذين المهرجانين وتطنيش المؤسسات الثقافية الرسمية نكون خسرنا أهم حدثين ثقافيين بارزين على خارطة الساحة والنشاط الثقافي!