الاتجار بالبشر.. اللاجئون ضحايا الاستهداف
البعث الأسبوعية- د.معن منيف سليمان
تشهد مناطق النزاع على مستوى العالم العديد من التجاوزات في حق البشر، وخاصة بعد أن تضيق سبل العيش الكريم للأفراد المعرّضين للنزوح والهجرة، بسبب الحروب، وسيطرة الإرهاب على بعض المناطق، فنجد الأخبار التي تحملها وسائل الإعلام المختلفة عن الهجرة غير النظامية، وتعرّض هؤلاء المهاجرين للغرق، أو جرائم محاولات البعض لبيع أطفال. وقد بذلت جهود عدة لمواجهة الظاهرة، وثمة اتفاقيات وجهود عربية ودولية مبذولة لمواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، ولكنها حتى هذا الوقت بلا جدوى.
إن من أهم ركائز مجابهة ظاهرة تهريب البشر والاتجار بهم معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة، وكلها أسباب ذات صلة وثيقة بالأمن والاستقرار وبتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية حتى لا يضطر الناس إلى المخاطرة بأرواحهم أو وقوعهم في براثن تلك العصابات.
لقد شهدت المنطقة العربية منذ عدّة سنوات تصاعد التهديدات غير التقليدية، التي باتت لها تأثيرات أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية، وذلك من قبيل الأمراض الوبائية، والهجرة غير النظامية ومشكلات اللاجئين والنازحين بفعل الصراعات المسلحة أو عدم الاستقرار السياسي الممتد أو الضغوط البيئية، والجريمة المنظمة التي تمثّل إحدى أهم التحديات التي تتصاعد أولوياتها بشكلٍ سريع على أجندة السياسات الأمنية لمعظم دول العالم، إذ اتسع نطاق الاتجار في البشر والمخدرات، وتجارة السلاح وغسيل الأموال بصورة غير مسبوقة، وذلك إلى جانب مشكلات أمن المياه وأمن الطاقة.
فقد ازداد الوضع سوءاً بعد اندلاع الأزمات في عدة دول عربية، وسرعان ما ورثَته صراعات داخلية مسلحة تدخلت فيها قوى إقليمية ودولية على نحو ما تعكسه الأزمة (السورية، والليبية، واليمنية)، فضلاً عن ظهور تنظيم “داعش” الإرهابي، ما أدّى ليس فقط إلى تزايد موجات الهجرة واللجوء إلى أوروبا بشكلٍ غير نظامي أو غير قانوني، وإنما أيضاً إلى تزايد أعداد تدفق اللاجئين من بؤر الصراعات في بعض الدول العربية إلى أراضي الدول المجاورة، فضلاً عن ممارسة بعض هؤلاء لأنماط من الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية (غير القانونية) عبر الحدود، كتجارة البشر، ما يمثّل تهديداً حقيقياً للمنظومة الأمنية بالدول العربية.
فقد شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا موجات هجرة ضخمة عبر تاريخها بفعل الأزمات المتعددة التي مرّت بها، ابتداءً من النزاعات، ومروراً بحالات العنف، ووصولاً إلى الكوارث الطبيعية والتغيير المناخي، وازداد الأمر سوءاً مع ظهور جائحة كورونا العالمية، وعقب اضطرابات ونزاعات في منطقة الشرق الأوسط، فتركت آثاراً مدمّرة على المجتمعات، وأدّت إلى زيادة كبيرة في نسبة ضحايا الاتجار بالبشر.
تأتي المنطقة العربية في مقدمة مناطق العالم من حيث تضمنها لأكبر عدد من اللاجئين، وتتوزع دولها بين مصدر للجوء ومستقبل لها، وقد تحوّلت بعض الدول بالمنطقة من مستقبل للاجئين إلى مصدّر لهم بعد أن اضطربت أوضاعها السياسية والأمنية وشملها عدم الاستقرار، وتأتي في مقدمة هذه الدول: العراق، وسورية، وليبيا، واليمن، إذ تحولت من بلدان مستقبلة للاجئين – خصوصاً الفلسطينيين – إلى دول طاردة للسكان واللجوء. وفي المقابل فقد تحوّلت دول أخرى لتكون دولاً مستقبلة للاجئين مثل: لبنان، والأردن، ومصر وغيرها من الدول العربية.
فاللاجئون والنازحون في هذه الدول هم فئة أكثر استضعافاً وأكثر عرضة للاتجار بهم لعدم وجود مأوى لهم، واستغلالهم من قبل المهربين عن طريق تزويج القاصرات أو العمل القسري للأطفال.
وبالحديث عن بؤر الاتجار بالبشر نجد هذه الجرائم تمارس بشكل يومي في فلسطين من قبل الاحتلال الإسرائيلي، فالفلسطينيون يتم حرمانهم من أبسط حقوقهم، وهذا كله له تداعيات سلبية على أوضاع حقوق الإنسان في فلسطين.
كما تعدّ ليبيا وجهة وبلد عبور للأشخاص الذين يتم الاتجار بهم، خاصة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كما أنها مصدر للأطفال الليبيين الخاضعين لميليشيات مسلّحة داخل البلاد، وتقوم هذه الميليشيات المسلّحة بتجنيد واستخدام الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، كما يتعرّض الأطفال للعنف، ويتم تعزيز جرائم الاتجار بالبشر في البلاد من خلال عدم الاستقرار السياسي وغياب الرقابة الحكومية.
كما أنّ السودان يقع ضمن منطقة حراك سكاني دائم يقدّر بنحو عشر ملايين نسمة، ويتراوح عدد ضحايا الاتجار بالبشر والمهاجرين في منطقة القرن الأفريقي بنحو خمسة آلاف شخص يقضون نحبهم عطشاً في الصحراء أو غرقاً تحت أمواج البحار.
ويقوم المهربون بتزويد النازحين واللاجئين بجوازات سفر أو تأشيرات مزوّرة، ويدعمون عملية الهجرة من خلال وسائل النقل المختلفة (البرية، والجوية، والبحرية)، على الرغم من أن الضحايا غالباً ما يغادرون بلادهم طواعية، إلا أن الغالبية لا تدرك إنه يتم تجنيدهم في إحدى خطط الاتجار. وقد يتعرّض البعض للاختطاف أو الإكراه، لكن يتم رشوة العديد منهم بفرص عمل أو جوازات سفر أو تأشيرات مزوّرة من قبل المتاجرين بالبشر، بعد ذلك غالباً ما يتعرّض الضحايا للاعتداء الجسدي، ويجبر الكثير منهم على العمل من أجل سداد ديون الهجرة.
المنطقة العربية تمرّ بتحديات كبيرة بسبب أزمة اللاجئين والنازحين من مناطق الصراعات والنزاعات المسلحة، وهو ما ألقى بآثاره السلبية على أوضاع حقوق الإنسان بشكل عام، وخاصة جرائم الاتجار بالبشر.
الإحصاءات الدولية تتحدّث عن نحو 800 ألف جريمة اتجار بالبشر سنوياً، وهذا رقم خطير للغاية، وتحتاج المنطقة العربية إلى تقييم تجربة محاربة هذه الجريمة، وتقييم التشريعات، والوقوف على الممارسات والسياسات وفق الاتفاقيات، ولا بدّ من وضع استراتيجيات موحّدة في إطار وطني، وتفعيل ما هو موجود من تشريعات وسياسات لمكافحة هذه الجرائم الخطيرة.
إن من أهم ركائز مجابهة ظاهرة تهريب البشر والاتجار بهم معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة، وكلّها أسباب ذات صلة وثيقة بتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية حتى لا يضطرّ الناس إلى المخاطرة بأرواحهم. ومن هنا تأتي أهمية تضافر الجهود العربية والدولية لمكافحة ظاهرة الاتجار في البشر كونها من الجرائم الخطيرة العابرة للحدود، ما يستلزم التنسيق الأمني والاستخباراتي للتصدي لها.