الشرق الأوسط في حقبة جيوسياسية جديدة
هيفاء علي
يشير إستئناف البعثات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية إلى التحول في الديناميكيات الجيوسياسية للخليج العربي، ما يعني أن استمرار الولايات المتحدة في “استثمارها العميق” في المنطقة، وتوجهاتها باتت العقبة الرئيسية أمام الالتزامات السياسية بالإضافة إلى التنمية الاقتصادية والتكامل في الشرق الأوسط على نطاق أوسع.
قبل فترة وجيزة من تنصيب جو بايدن في كانون الثاني 2021، اتفق أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي على عقد قمة في السعودية لإنهاء الخلافات البينية. وبحلول الوقت الذي عُقدت فيه القمة، كانت السعودية والإمارات قد بدأتا بالفعل محادثات مع إيران لتهدئة الموقف.
وبينما انتقلت الدول العربية من سياسة التوترات والصراعات إلى سياسة الحوار والتعاون، يبدو أن واشنطن مصممة على إدامة الصراع في الخليج العربي، ومنذ عام 2017، بذلت الولايات المتحدة عدة محاولات لتشكيل تحالف مناهض لإيران، ومبادرات مثل التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط، الذي كان هدفه إنشاء منظمة شبيهة بحلف الناتو تضم الدول العربية.
في العام الماضي، أثناء سفر بايدن إلى جدة، تم تقديم اقتراح لعلاقة أمريكية سعودية جديدة تحت شعار “الوحدة الاستراتيجية”، بالإضافة إلى إنشاء شراكة دفاعية جوية وصاروخية مشتركة بين الدول العربية والولايات المتحدة، لكن توقفت هذه المقترحات، وحتى المبادرات البحرية النشطة بقيادة الولايات المتحدة في الخليج العربي متوقفة الآن.
تشير التطورات الدبلوماسية غير المتوقعة في المنطقة اليوم إلى أن الدول العربية ترسم مسارها الخاص للمستقبل، حيث سيؤدي هذا التوجه إلى توسع التنافس والمنافسة ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضاً في السياق الأوسع لأوراسيا.
زد على ذلك، أن الاتجاه المتزايد لإيران والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى للانضمام إلى التكتلات الاقتصادية والأمنية غير الغربية يأتي أيضاً في هذا السياق، حيث تعمل منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس والتجمعات المماثلة الأخرى اليوم ككيانات تداولية ذات توجه اقتصادي.
وبالتالي، تشير هذه التغييرات إلى نظام جديد متعدد الأقطاب، حيث تعطي الجهات الفاعلة الإقليمية الأولوية لتنميتها الاقتصادية لضمان بقائها وازدهارها في حقبة ما بعد النفط، حيث ترك غياب الولايات المتحدة في التطورات الإقليمية الأخيرة فرصاً للاعبين العالميين الآخرين لتأكيد نفوذهم وتعزيز التعاون متعدد الأطراف، وبينما لا تزال الولايات المتحدة خارج المشهد الجيوسياسي المتغير للخليج العربي، انتهزت الصين والاتحاد الأوروبي فرصتهما لزيادة مشاركتهما الإقليمية.
بالنتيجة، أدت جهود الصين إلى توقيع انفراج بين إيران والسعودية، وتخطط الدولة لعقد قمة إقليمية في بكين في وقت لاحق من هذا العام لتعزيز هذا النهج متعدد الأطراف. وفي الوقت نفسه، أصدر الاتحاد الأوروبي بياناً مشتركاً حول “الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج”. وعليه ستوفر القمة الإيرانية-الخليجية-الصينية المرتقبة في بكين، والاجتماع الثالث لمؤتمر بغداد في وقت لاحق من هذا العام ممرات متعددة الأطراف للحوار والتعاون. وستكون الولايات المتحدة غائبة عن كلا الحدثين، مما يؤكد عزلتها وتراجع نفوذها في المنطقة، ذلك أن الديناميكيات المتغيرة وظهور مراكز قوة بديلة يستلزم إعادة تقويم سياسات الولايات المتحدة لتتماشى مع التحولات الجيوسياسية الجديدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ومن خلال تبني نظام متعدد الأقطاب وتعزيز التنمية الاقتصادية، تعتزم المنطقة ضمان ازدهارها واستقرارها بعيداً عن الولايات المتحدة.