حرب العملات تفرض نظرية “ادخار الذهب” على المدى الطويل
دمشق – ميادة حسن
يسعى الإنسان بطبيعته إلى ادخار الذهب كملاذ آمن له في ظل الأزمات والحروب، فهو يحافظ على قيمة الأوراق النقدية وبديلا عنها، وهذا المفهوم لا يتعلق بالأفراد فقط وإنما بالدول أيضا بسبب طبيعة التأثير الذي يمكن أن يحدثه تقلب سعر الصرف مقابل الدولار الأميركي، ويعتبر الذهب أصل الادخار، حيث يسعى المستثمرون من خلاله للحفاظ على قيمة أموالهم من عوامل التضخم وتقلبات أسعار الصرف، فالذهب يعتبر الملاذ الآمن الذي لا يفقد قيمته بفعل الاضطرابات المالية والاقتصادية، ورغم أنه يتعرض للتقلبات والمضاربات، إلاَّ أنه أيضا يعتبر فعليا أداة للتحوط ضد انخفاض قيمة العملة الورقية المحلية، لذلك يرى فيه المستثمرون ضمانا لثرواتهم ومدخراتهم..
وتؤكد الدراسات الاقتصادية والنقدية وجود علاقة ترابطية بين سعر الذهب المحلي وسعر الصرف الدولار، وهي علاقة طردية وقوية وسببية ثنائية الاتجاه، أي أن العلاقة عكسية على الأجل القصير لتتحول إلى طردية على الأجل الطويل.
الخبيرة الاقتصاد نور لبابيدي وفي تصريح لـ”البعث”، أوضحت أن الذهب من المعادن الثمينة وأكثر شعبية لأصحاب رؤوس الأموال للحفاظ على قيمة أموالهم من عوامل التضخم ومخاطر الاستثمار مقارنة بأي معدن ثمين، وقد أدت الأزمات التي شهدها العالم مؤخرا ومنها وباء كورونا وحرب العملات والعملية العسكرية الروسية الأوكرانية، إلى حدوث تقلبات وقفزات في أسعار الذهب نتيجة الأخبار السيئة حول الأداء الاقتصادي العالمي، الأمر الذي زاد من مخاطر الاستثمار وأثر على سعر صرف العملات، لذلك توجه المستثمرون للاستثمار بالذهب كونه الملاذ الأمن للحفاظ على ثروتهم بدلا من الاستثمار بالأسهم أو السندات أو العقارات.
علاقة الدولار
ولكون سعر الذهب يخضع للتقلبات والمضاربات في حركته الاقتصادية المرتبط بزيادة التضخم والانكماش الاقتصادي، وانخفاض قيمة العملة بالإضافة للأزمات، تؤكد لبابيدي أن هناك عوامل رئيسية تؤثر على أسعار الذهب وهذه العوامل تتميز بالتأثير المباشر على السعر وذات أهمية موضوعية للتسعير، حيث إمكانية قياسها تتم بمقاييس كمية، وتتمثل أهمها بالعوامل الخارجية المؤثرة في السعر والمعروض والإنتاج والكلفة السوقية.
وحول العلاقة بين سعر صرف الليرة السورية وسعر الذهب، بينت لبابيدي، أن ارتفاع سعر صرف الليرة وانخفاض قيمة الليرة السورية بمقدار 1 %، سيؤدي إلى ارتفاع سعر الذهب المحلي بمقدار 699.0% في الأجل الطويل، منوهة إلى أن سعر الذهب محلياً عند مستوى معين يكون له أثر عكسي في الأجل القصير وليتحول إلى أثر طردي في الأجل الطويل، وهذا ما يفسر لجؤ المضاربين بالسوق “للاستثمار” بالمضاربة بالعملة – في الأجل القصير- مستغلين تذبذب أسعار الصرف لتحقيق هامش ربح أعلى، بشكل مستمر، بينما لا يستثمرون بالذهب في الأجل القصير لأن أسعاره تكون مستقرة كونه معدن عقيم يتخذوه المستثمرون في الأجل الطويل للتحوط ضد انخفاض قيمة العملة الورقية.
كما أوضحت أن العلاقة الارتباطية بين سعر الذهب المحلي وسعر الصرف مقابل الدولار الأمريكي، هي علاقة طردية وقوية تفوق نسبة 99%، وهذا يعني أن الذهب هو أداة للتحوط ضد انخفاض قيمة الليرة السورية..
كذلك توجد علاقة سببية ثنائية الاتجاه بين سعر الذهب المحلي وسعر الصرف مقابل الدولار الأمريكي، حيث تفسر تأثير سعر صرف الليرة السورية على سعر الذهب بنسبة 60% والباقي يخضع لمتغيرات أخرى لها علاقة بالإشاعات والاضطرابات السياسية، وتكرر حدوث أزمات، كما يوجد أثر معنوي لسعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي على سعر الذهب المحلي عند مستوى محدد على الأجلين القصير والطويل، حيث أن هذا الأثر عكسي على الأجل القصير ليتحول إلى أثر طردي على الأجل الطويل، وهذا ما يفسره أن الذهب معدن عقيم أي أن أرباحه على المدى القصير قليلة نتيجة استقرار سعره، أما من خلال المضاربة بالعملات فمن الممكن للمستثمرين أن يحققوا عائدا في المدى القصير نتيجة تغيرات أسعار الصرف والتذبذب بالأسعار.
وتخلص لبابيدي إلى أنه ونتيجة الأزمات المتكررة الحاصلة في سورية، نلاحظ تحول أموال المستثمرين عن الأصول الخطرة إلى بدائل الذهب السورية حيث يقوم المستثمرون بسحب أموالهم بعيدا، بما في ذلك الذهب مما سيشكل ضغطاً تصاعدياً أكثر أماناً على سعر السعلة وثم ارتفاع سعرها، وهذا له آثار على الأداء الاقتصادي السوري..
وترى الخبيرة الاقتصادية، أن الذهب أداة لتحوط ضد انخفاض الليرة السورية مع وجود دليل واضح لتحركات أسعاره على المدى طويل الأجل، لذلك يتعين على المستثمرين مراعاة تأثير سعر الصرف على سعر الذهب عند صياغة استراتيجيات الاستثمار الخاصة بهم سواء على المدى القصير أو على المدى الطويل، بما يحقق لهم عائدأ على وتقليل مستوى المخاطرة، الأمر الذي يمكنهم من اتخاذ قرارات استثمارية أفضل مبنية على أسس علمية مدروسة عبر المتابعة لحركة الأسواق العالمية أيضاً، كما ينبغي على صانعي السياسات المالية مراعاة آثار تدفق أموال المستثمرين لسوق الذهب لإدارة تحركات رأس المال في السوق السورية لاتخاذ سياسات اقتصادية سليمة، ولابد للجهات المعنية بالسياسة النقدية بتخصيص نسبة معقولة من الاحتياطات الكافية من الذهب ليشكل تحوط من حدوث “حرب العملات” أو تقلبات تحدث في الاقتصاد العالمي، وتدرس كيفية تحوطها بالذهب كوعاء ادخار وملاذ آمن لقوته في فترة الأزمات السياسية أفضل من الادخار بالدولار.