خبير اقتصادي يشدد على وقف قروض المضاربة ورفع الفوائد على القروض الإنتاجية
دمشق- مادلين جليس
بعد توقعات كثيرة بمواصلة الارتفاع إلى مستويات غير مسبوقة، أصدر مصرف سورية المركزي قراراً بتعديل سعر الصرف في نشرة المصارف ليصبح 8542 ليرة للدولار الواحد، وبالمقابل فإن سعر صرف الحوالات حافظ على استقراره منذ أيام وبقي 9900 ليرة للدولار الواحد.
لكن هذا الرفع جاء تماشياً مع سعر السوق، وكما يرى الخبير الاقتصادي الدكتور رازي محي الدين فإن تراجع سعر الصرف المركزي في نشرة المصارف وتعديله جاء من أجل أن يجاري نسبياً سعر السوق مع بقائه أقل بقرابة الثلث، مشيراً إلى أن ذلك لن يؤثر على الأسواق بذاته، لأن هذا السعر يعتمد في ثلاثة أماكن أساسية: الأول هو سعر الصرف الذي يستخدمه المواطن السوري عند دخوله إلى سورية وتصريفه ١٠٠ دولار، والثاني هو سعر صرف رواتب المنظمات، والثالث سعر الجمارك الذي بقي شبه ثابت كنسبة وتناسب من سعر الدولار.
ولكن برأي محي الدين فإن الذي يؤثر على ارتفاع المستوى العام للأسعار هو ثلاثة عوامل رئيسية، أولها ارتفاع سعر الصرف في السوق، والثاني عدم توفر العديد من أصناف وأنواع بعض المواد الأولية بتنوعها، والثالث ارتفاع تكلفة دولار منصة الاستيراد.
وطرح محي الدين أربعة مقترحات سريعة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد السوري، والتي تمكن مصرف سورية المركزي من المحافظة على استقرار سعر الصرف بداية ومن ثم العمل على تخفيضه، وهذه المقترحات كما أكد مرتبطة أصلاً بمعالجة أسباب تراجع سعر الصرف.
وأول هذه المقترحات يتمثل في إيجاد بدائل ادخارية أو استثمارية كملاذ آمن بدلاً من العملات الأجنبية والذهب، وهنا يرى محي الدين أنه من الممكن طرح ثلاث أفكار مهمة، الأولى: تحقيق إعفاء ضريبي لمدة ثلاث سنوات لكامل الشركات المساهمة المدرجة بالسوق، خاصة وأن جزءاً كبيراً من أرباح هذه الشركات ليس حقيقياً تشغيلياً، إنما هو وهمي نتيجة تغيّر سعر الصرف، وبالتالي فإن إعفاءها “أي الشركات” لمدة ثلاث سنوات سيكون قادراً على إنعاش السوق وتحويل المدخرين لشراء الأسهم بدلاً من شراء العملات.
أما الفكرة الثانية فهي إيجاد وديعة ليرة دولار، بحيث يتمّ سحب فائض السيولة من خلال إيجاد “ليرة دولار” افتراضي، وتتمثل الفكرة الثالثة في رفع سعر الفائدة على الودائع لتصل إلى ٢٥% ورفعها أيضاً على التمويلات لتصل إلى ٣٠% والغاية من ذلك هو تشجيع الادخار بالليرة ووقف المضاربة على الليرة.
المقترح الثاني الذي قدّمه محي الدين ينصّ على البدء بسياسة تحرير التسعير التدريجي المدروس من خلال خطوتين، الأولى ألا تتدخل الحكومة وخاصة وزارات حماية المستهلك والاقتصاد والتربية والتعليم والصحة بأي عملية تسعير داخلية تدمّر الصناعة والتعليم والجودة والصحة، فهي -كما يرى- من أجل عمليات تثبيت وهميّ للأسعار قامت بالتأثير السلبي الكبير على الجودة والمنتج والربحية والرواتب والأجور. أما الخطوة الثانية فهي ربط الاستيراد بالتصدير وتحرير دولار الصادرات بحيث يكون قابلاً للتداول والبيع لتغطية استيراد مستورد آخر (مثلما كان مطبقاً في نهاية الثمانينيات) مع مراقبة الصادرات بحيث لا يتمّ المبالغة برفع قيمة الصادرات الوهمية لأجل رفع القدرة على الاستيراد.
وثالث المقترحات التي قدّمها محي الدين يتمثل في إيقاف ومحاربة أخطر كارثة وظاهرة على الاقتصاد السوري، وهي ظاهرة قروض المضاربة على الليرة السورية، فقد أدّت هذه القروض إلى تضخم اقتصاد الظلّ بشكل كبير من حيث أنه المقترض الأكبر، كما أدّت إلى ضمور الاقتصاد النظامي من حيث أنه المودع الأكبر.
وبيّن محي الدين أن أهم سبب لتراجع الليرة السورية يعود للقروض التي بدأت منذ منتصف عام ٢٠١٩ تتحول للمضاربة على الليرة السورية، وهنا نوّه محي الدين بإمكانية وضع مقترح وهو مراجعة كافة القروض الممنوحة لكبار العملاء من عام ٢٠١٩ إلى اليوم.
وفي سبيل التحرك باتجاه إيقاف المضاربة شدّد محي الدين على ضرورة إيقاف كافة التمويلات غير الإنتاجية (أي القروض الصناعية والزراعية والصحية والتعليمية والبناء أو الإكساء)، ورفع الفوائد على القروض الإنتاجية والتدقيق وراءها للتأكد من كونها حقيقية، مع تقييد محفظة القروض وتخفيضها في الفترة القادمة ريثما يستقرّ السوق، ويجب – برأيي محي الدين – الضغط على كبار رجالات المال للحفاظ على سعر الليرة، فهم أكبر المستفيدين من قروض المضاربة.
أما المقترح الرابع من مقترحات معالجة أزمة الاقتصاد السوري، فهي بحسب محي الدين، التحرك بمجال الاقتصاد الدولي من أجل إيجاد حلول وبدائل لتأمين المحروقات والقمح بأسعار مخفضة، وتشجيع الاستثمار الأجنبي الحقيقي، إضافة إلى تشجيع السياحة الواردة إلى سورية وتشجيع فتح أسواق تصدير خارجية واتفاقيات تبادل سلع مع بعض الدول.