“البريكس” وحلول مبادرة الحزام والطريق
هيفاء علي
مع اقتراب القمة الأكثر أهمية في تاريخها، والتي ستعقد في الفترة من 22 إلى 24 آب في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا، يجب على دول البريكس احترام مبادئ أساسية معينة، والمنصات الرئيسية الثلاث لتعاون بريكس هي السياسة والأمن، والتمويل والاقتصاد، والثقافة.
لذلك فإن فكرة الإعلان عن عملة احتياطي جديدة مدعومة بالذهب من مجموعة البريكس في قمة جنوب إفريقيا هي فكرة مضللة. وما يجري العمل عليه، كما أكدته مجموعة بريكس هو “ار 5” نظام دفع مشترك جديد، وقادة البريكس هم في المرحلة الأولية فقط من المناقشات حول عملة احتياطي جديدة يمكن أن تكون قائمة على الذهب أو السلع.
وبالمقارنة، فإن المناقشات داخل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة سيرغي غلازييف هي أكثر تقدماً. ترتيب الأولوية هو الحصول على نظام “ار5″، المتداول. تبدأ جميع عملات البريكس الحالية بـ”ر” الرنمينبي (اليوان) والروبل والريال والروبية والراند. وبالتالي، سيسمح نظام “ار5” للأعضاء الحاليين بزيادة تجارتهم مع بعضهم البعض عن طريق تجاوز الدولار الأمريكي وخفض احتياطاتهم من الدولار، وهذه مجرد خطوة أولى من خطوات عملية كثيرة على الطريق الطويل والمتعرج لإزالة الدولار.
توسيع دور بنك التنمية الجديد “ان دي بي” -بنك بريكس- لا يزال قيد المناقشة، إذ يمكن لبنك التنمية الوطني، على سبيل المثال، تقديم قروض بذهب بريكس، مما يجعله وحدة حساب عالمية في التجارة والمعاملات المالية. سيتعيّن على مصدّري البريكس بعد ذلك بيع بضائعهم مقابل ذهب بريكس بدلاً من الدولار الأمريكي، تماماً كما سيتعيّن على المستوردين في الغرب الجماعي أن يكونوا مستعدين للدفع بذهب البريكس.
داخل دول البريكس، هناك مجموعة من القضايا التي لم يتمّ حلها بين الصين والهند، في حين أن البرازيل عالقة بين قائمة الإملاءات الإمبريالية، بينما أجبر الغرب الأرجنتين على “تأجيل” طلب بريكس+”، ثم هناك الحلقة الضعيفة بالتعريف، جنوب إفريقيا، العالقة بين المطرقة والسندان، حيث اختارت بوصفها منظم القمة الأكثر أهمية في تاريخ البريكس تسوية بعدم استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واختارت حضور وزير الخارجية سيرغي لافروف، وقد صادق الأعضاء الآخرون في البريكس على هذا القرار، ما يعني أن لافروف سيمثل روسيا مادياً، بينما سيشارك بوتين في العملية برمتها والقرارات اللاحقة عن طريق الفيديو.
تثير هذه الخطوة أسئلة جادة حول الجغرافيا السياسية التي يقودها البريكس. ومع ذلك، على المستوى الجغرافي الاقتصادي، دخلت المجموعة لعبة مختلفة تماماً، وهو ما يتضح من الترابط المتعدد بين دول البريكس مع مبادرة الحزام والطريق الصينية، فقد زادت التجارة الصينية مع دول الحزام والطريق بنسبة 9.8٪ في النصف الأول من عام 2023 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. يتناقض هذا بشكل حاد مع الانكماش العام بنسبة 4.7٪ في التجارة بين الصين والغرب: انخفضت التجارة مع الاتحاد الأوروبي بنسبة 4.9٪ وتراجعت مع الولايات المتحدة بنسبة 14.5٪. بينما نمت التجارة الصينية مع روسيا، إلى جانب الصادرات إلى جنوب إفريقيا وسنغافورة، بشكل كبير بنسبة 78٪. على سبيل المثال، في نهاية الأسبوع الماضي، غادرت سفينة شحن صينية سانت بطرسبرغ محمّلة بالأسمدة والمواد الكيميائية والمنتجات الورقية، وستعبر القطب الشمالي وتصل إلى شنغهاي في أوائل آب، وقد وصل تشو لي تشون، رئيس غرفة التجارة الصينية في روسيا، مباشرة إلى النقطة: هذه مجرد بداية للعملية الروتينية لطريق الشحن البحري في القطب الشمالي بين الصين وروسيا.
وعليه، سيكون طريق الحرير في القطب الشمالي الآن استراتيجياً بشكل متزايد، حيث يمكن للصينيين إبقاؤه مفتوحاً على الأقل من تموز إلى تشرين الأول من كل عام. وعلى سبيل المكافأة، فإن ارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي يسمح بوصول أفضل إلى موارد النفط والغاز.
يُظهر كل ما سبق تطوراً قوياً في الإرادة التجارية الصينية تجاه الجنوب العالمي، حيث تمثل التجارة مع شركاء الصين في مبادرة الحزام والطريق الآن 34.3٪ من إجمالي التجارة العالمية للصين من حيث القيمة، وهذا الرقم آخذ في الارتفاع، حيث تتجه كل الأنظار إلى ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب متعدّد الوسائط الذي يبلغ طوله 7200 كيلومتر، والذي يثير قلق الغرب من خلال استبدال قناة السويس، إذ يقلل هذا الممر الاستراتيجي تكاليف الشحن بنحو 50٪، ويوفر ما يصل إلى 20 يوماً من السفر مقارنة بطريق السويس.
من المتوقع أن تتضاعف تجارة الممر الدولي عن طريق البحر والسكك الحديدية والطرق بين روسيا وإيران وأذربيجان والهند وآسيا الوسطى ثلاث مرات خلال السنوات السبع المقبلة، كما أشار وزير النقل الروسي فيتالي سافيليف في منتدى سانت بطرسبرغ الأخير. كما ستستثمر روسيا أكثر من 3 مليارات دولار في الممر الدولي حتى عام 2030 من خلال الزيادة في التجارة بين روسيا وإيران والهند عبر الممر الدولي بين الشمال والجنوب بالسكك الحديدية العابرة لأفغانستان، حيث ستنطلق سكة الحديد العابرة لأفغانستان في أعقاب حدث مهمّ للغاية وقع الأسبوع الماضي عندما وقعّت باكستان وأوزبكستان وأفغانستان بروتوكولاً مشتركاً لربط الشبكات الأوزبكية والباكستانية عبر مزار الشريف ولوغار في أفغانستان.