انهيار القطاع الصحي في السودان
د. معن منيف سليمان
يواجه القطاع الصحيّ في السودان حالة غير مسبوقة من التردّي، في ظلّ تضاؤل إمدادات الطاقة، والنقص الحاد في أكياس الدم، والاعتداء على عددٍ من المستشفيات التي خرجت بالفعل من الخدمة. وسط هذه الأجواء تصاعدت التحذيرات من انتشار الأوبئة، وخاصّة مع انقطاع سبل إيصال المساعدات الطبية، وتعطّل المرافق الصحية. التضرّر الكبير في قطاع الصحة أدّى إلى مأساة إنسانية يعاني منها ملايين السودانيين، وخاصّة أصحاب الأمراض المزمنة، وجرحى المعارك المتواصلة بسبب الصراع المسلّح المتواصل بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 نيسان الماضي.
تدخل الأوضاع الإنسانية في السودان وضعاً خطيراً في ظلّ استمرار الاشتباكات بين القوّات المسلّحة السودانية والدعم السريع. وكانت المعارك قد اندلعت بشكل أساسي في الخرطوم بين الطرفين من أجل السيطرة على ثالث أكبر دولة في أفريقيا. وجاء ذلك بعد أيام من التوتّر بعد إعادة انتشار عناصر من قوات الدعم السريع في جميع أنحاء البلاد في خطوة عدّها الجيش تهديداً.
مع اقتراب الأزمة من دخول شهرها الثالث، تتجدّد التحذيرات من تبعات المعارك على المنظومة الصحية، التي كانت بنيتها التحتية متداعية من الأصل، حتى قبل نشوب الأزمة الحالية، فالعاملون في القطاع الصحّي، يؤكّدون أن استمرار المواجهات منذ منتصف نيسان الماضي بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، يجعله على شفا الانهيار الكامل، بعدما أدّت الاشتباكات، إلى حرمان السودانيين من أكثر من 70 بالمئة تقريباً، من خدمات الرعاية الصحية، بسبب نقص الإمدادات والموظفين، وتعذّر الوصول إلى المستشفيات والمرافق الطبية.
ففي مجال الإمدادات الطبية، تعاني المؤسسات العلاجية من شح المواد الطبية وتزايد الطلب على الخدمات الصحية، بسبب العدد الكبير من الجرحى الوافدين على المستشفيات، في وقت تنقطع فيه خدمات الكهرباء والمياه، كما يعجز متعهدو الوجبات الغذائية المخصّصة للمرضى عن إيصالها بسبب المهدّدات الأمنية في الشوارع.
كما إن مخازن الأدوية وصيدليات كثيرة تعرّضت للكسر والتخريب والسلب والنهب، ما أسهم في شح الدواء، وهو ما ستنتج عنه “كارثة كبيرة” لأن ذلك يعني فقدان الدواء المصنّع محليّاً، وفقدان المواد الخام التي يصنع منها الدواء. حتى أن مخزون الأدوية الذي كان في المطار تعرّض للاعتداء، بما يرشح الوضع لأزمة دواء تنتج وضعاً يوصف بالمخيف.
ويعاني موظّفون في القطاع الطبي ومتطوعون منذ بداية الاشتباكات ضغوطاً نفسية هائلة بسبب نقص الطعام والشراب، فضلاً عن نقص حاد في المعدّات الطبية وأكياس الدم، وهناك حاجة إلى سلسلة التبريد للقاحات.
وتقع أغلب المستشفيات الحكومية والخاصة في قلب العاصمة السودانية، حيث تدور المواجهات العنيفة في محيط القيادة العامة والقصر الرئاسي، ما جعل المنشآت الصحية هدفاً لا يمكن تجاوزه في سياق الحصول على الأفضلية الميدانية في القتال المستخدم فيه مختلف أساليب القتال، بما فيها القصف بالطائرات والمدافع والأسلحة الثقيلة.
ومن أصل 85 مستشفى أساسية في العاصمة والولايات، يوجد 61 مستشفى متوقفاً عن الخدمة، و25 تعمل بشكل كامل أو جزئي. ووفقاً لنقابة الأطباء التي أحصت تعرّض 16 من المؤسسات العلاجية للقصف، في حين أخلي 19 منها قسرياً، كما أشارت إلى الاعتداء على 16 سيارة إسعاف، ولم يسمح لبعضها بالمرور لنقل المرضى وإيصال المعينات.
كما أن أطراف النزاع حوّلوا بعض المستشفيات إلى ثكنات عسكرية مدجّجة بالسلاح ومركز قيادة للعمليات بعد إخلائها من المرضى، بمن فيهم الحالات الحرجة بالعناية المكثفة.
وحذّرت نقابة أطباء السودان المركزية من خطورة استمرار اغتيال الكوادر الطبية واستهداف المستشفيات بسبب القتال الحالي بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم وعدد من مدن البلاد الأخرى، وسط تصاعد الاعتداءات التي يتعرّض لها أفراد الطاقم الطبي والموظفون، وتجبر الأطباء والممرضين في بعض الأحيان، على تقديم الرعاية لجرحاها.
وفي محاولة لتوفير الخدمات الصحية للمرضي ومصابي الاشتباكات، عمد أطباء وكوادر طبية إلى نشر إعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تتضمّن استعدادهم لتقديم استشارات طبية عبر الوسائط الإلكترونية. وحوَّلت مجموعة أخرى من الأطباء أجزاء من منازلها إلى عيادات لتقديم الاستشارات الطبية في محيطها الجغرافي. وعلى الرغم من أن هذه الحالة من التضامن المجتمعي بين أبناء الشعب السوداني تدعو إلى التقدير والاطمئنان، إلا إنها في الوقت نفسه تبرز حجم الدمار الذي وصل إليه القطاع الصحي الحكومي السوداني الذي نالت منه هذه الاشتباكات.
وتحذّر نقابة الأطباء في السودان من انتشار الأوبئة في المرحلة المقبلة بسبب الوضع الصحي المتهالك، الأمر الذي أكدت عليه المتحدّثة الإقليمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر إليوناسينينكو، حيث أكدت أن وضع القطاع الصحي والرعاية الصحية في البلاد كارثي، في ظلّ ما تشهده البلاد من نقص في إمدادات الكهرباء والمياه النظيفة، ما يزيد من خطر انتشار الأمراض والأوبئة، خصوصاً مع بدء موسم الأمطار.
جدير بالذكر أن نقابة الأطباء السودانية قد أشارت إلى أن 20 بالمئة فقط من المؤسسات الطبية مازالت تعمل حالياً، بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على القتال العنيف الذي اندلع بين القوتين العسكريتين السودانيتين.