جوائز السلام تُمنح لدعاة الحرب
عناية ناصر
إذا كان من الممكن تعريف السلام على أنه غياب الحرب، فمن المؤكد أن جائزة السلام يجب أن تكون إقراراً و اعترافاً بالمساهمة في إنهاء النزاع المسلح، أو تخفيفه وحتى تجنبه. لكن للأسف، ليس هذا صحيحاً دائماً، حيث تُمنح جوائز السلام لدعاة الحرب الذين يتسببون في أو يشجعون أو يطيلون العداوات وسفك الدماء بين الدول ذات السيادة أو داخلها. لذلك لا ينبغي اعتبار الجائزة في مثل هذه الحالات شرفاً يُمنح لمتلقي جدير، بل شارة عار تسخر من تضحيات عدد لا يحصى من المدنيين والقتلى والمحاربين الذين يرقدون الآن في قبورهم.
بدا من المستغرب مؤخراً قيام” رابطة الحقوقيين العالمية” بتخصيص المفوضية الأوروبية لتتسلم جائزة السلام والحرية العالمية، وهو أعلى وسام شرف تمنحه” رابطة الحقوقيين العالمية” للأفراد أو الهيئات المتميزة في تعزيز السلام من خلال سيادة القانون، والتي يتم الحديث عنها أحياناً على أنها جائزة نوبل للقانون الدولي.
تسلمت أورسولا فون دين ليدن، رئيسة المفوضية الأوروبية، الجائزة في حفل أقيم بشكل رمزي في مبنى مقر الأمم المتحدة في نيويورك. وتحدثت أورسولا في خطاب تسلمها الجائزة، عن العملية الخاصة الروسية في أوكرانيا وروسيا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا ابتكرت المفوضية الأوروبية إذن، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، عن عمد طريقة للتهرب من الضوابط والتوازنات الداخلية الخاصة بها، والمصممة لمنع الاتحاد الأوروبي من توزيع مساعدات عسكرية على دول خارج الكتلة من أجل تمكينه من إرسال أسلحة وذخائر بمليارات اليورو من دوله الأعضاء؟.
أنشأ الاتحاد الأوروبي “مرفق السلام الأوروبي” في عام 2021 لتمويل المبادرات المصممة لتجنب الحروب، وتشجيع السلام في البلدان الأخرى وتعزيز الأمن الدولي، وكان ذلك ضرورياً، لأن الاتحاد الأوروبي غير مسموح له بتمويل العمليات العسكرية بنفسه. كانت الميزانية الأصلية لصندوق النقد الأوروبي البالغة 5.5 مليار يورو (6.1 مليار دولار) تهدف جزئياً إلى تعويض الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة عن تكلفة الأسلحة الفتاكة والذخيرة وغيرها من المعدات العسكرية التي تم توفيرها لدول أخرى لهذه الأغراض. وتبلغ الميزانية الآن 12 مليار يورو (13.5 مليار دولار) وقد أعيد توظيفها بحيث يمكن استخدامها الآن لمساعدة أوكرانيا. وقد تم بالفعل تخصيص 4.6 مليار يورو (5.1 مليار دولار) لكييف، وفي ذات الإطار أفصح جوزيف بوريل، منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي مؤخراً، عن خطط لإرسال 20 مليار يورو (22.3 مليار دولار) إلى أوكرانيا على مدى السنوات الأربع المقبلة، حيث تعتبر هذه المرة الأولى التي يزود فيها الاتحاد الأوروبي أسلحة فتاكة بهذه الطريقة إلى دولة ثالثة.
كيف يتناسب ذلك مع الشعار النبيل لـ ” رابطة الحقوقيين العالمية” والتي مقرها واشنطن “السلام من خلال سيادة القانون؟”. كيف يتوافق مع اقتباس فون دين ليدن لميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على “استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة”؟ .
يبدو أن إطالة أمد الحرب طريقاً منحرفاً للسلام، خاصةً إذا كان مصنعو الذخائر والأسلحة داخل الاتحاد الأوروبي يجهزون مصانعهم لتلبية المطالب الشرسة، ولكن المربحة للغاية لحليفهم في كييف. لذلك إن الخطأ في منح جائزة سلام لدولة أو كتلة تدعم الحرب ليس بالأمر الجديد مع الأسف.
قال رئيس الأساقفة ديزموند توتو، الحائز على جائزة السلام في جنوب إفريقيا، واثنان من الحاصلين عليها في السابق، إن الاتحاد الأوروبي غير مناسب لاستلام هذه الجائزة، لأن قيمه لا تتماشى مع قيم نوبل. وقالوا، فهو يدعو في المقام الأول إلى “الأمن على أساس القوة العسكرية وشن الحروب بدلاً من الإصرار على الحاجة إلى نهج بديل”.
ربما كان أفظع مثال على منح جائزة نوبل في غير محلها هو ذلك الذي أعطي للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في عام 2009، عندما لم يكن قد مضى على توليه لمنصبه سوى تسعة أشهر فقط، وكان يقود بلداً يخوض حروباً في كل من العراق وأفغانستان.