“البريكس”.. أمل إفريقيا المتجدد في التطور والازدهار
عناية ناصر
تقوم مجموعة قوية من اقتصادات الأسواق الناشئة ببناء نظام عالمي جديد، حيث تجاوزت مساهمات مجموعة دول “البريكس” التي تشكلت في عام 2009، وتضمّ البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، مساهمات الناتج المحلي الإجمالي العالمي لمجموعة السبع هذا العام، وتمثل الآن ما يقرب من ثلث النشاط الاقتصادي في العالم.
ومع استمرار نمو قوتها، وتشكيل الاقتصاد العالمي والمشهد الجيوسياسي على حدّ سواء، أبدت الدول الإفريقية حماساً كبيراً للانضمام إلى مجموعة دول “البريكس”، مع قمتها السنوية القادمة التي ستعقد في إفريقيا في شهر آب المقبل.
تبرز البريكس كركيزة أساسية للاقتصاد العالمي، ولم تستهن بالفعل بفكرة إمكانية امتلاك عملتها الاحتياطية العالمية، ومثل هذه الخطوة ستنهي الحكم القوي الذي كان يتمتع به الدولار الأمريكي لما يقرب من نصف قرن.
ستكون المحادثات حول العملة المشتركة في قلب المناقشات خلال قمة “البريكس” الخامسة عشرة هذا العام في مركز “ساندتون” للمؤتمرات في جوهانسبرغ في الفترة من 22 إلى 24 آب القادم. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تكون المناقشات حول الأعضاء الجدد مطولة، وذلك بهدف تعزيز جيوسياسي أكبر لمجموعة “بريكس”.
اضطلعت المجموعة بالدور الفريد المتمثل في بناء مجتمع من شركاء التنمية المتشابهين في التفكير من الجنوب لتعزيز التنمية المشتركة، وذلك من خلال تعزيز مصالح البلدان النامية، وتعزيز الانتعاش الاقتصادي. وتماشياً مع موضوع القمة، “بريكس وإفريقيا: شراكة من أجل النمو المتسارع بشكل متبادل، والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة”، ينصبّ التركيز بشكل مباشر على التنمية الإفريقية، ويتماشى هذا مع هدف الصين المتمثل في عدم ترك أي بلد أو فرد وراء الركب في السعي لتحقيق التنمية المستدامة، وهذا هدف يستمر في إثراء العلاقات بين الصين وإفريقيا ودفع التنمية عبر القارة الإفريقية.
من خلال الترويج لهذا الموضوع بالذات، تستخدم جنوب إفريقيا دورها كرئيس لبناء وتعزيز تركيز الصين على إفريقيا، والتي تتمحور حول أجندة النمو الاقتصادي التي تعمل على تحسين سبل العيش.
وبالتوازي مع ذلك، تنظر الدول الإفريقية إلى الاجتماع باعتباره فرصة لتغيير المسار، وتعزيز العلاقات مع دول “البريكس” في الوقت تعاني فيه الاقتصادات في الغرب حالة ركود.
تدلّ قائمة الدول الإفريقية التي أعربت عن اهتمامها بالانضمام إلى “البريكس” على وجود قارة مستعدة لدخول النظام الاقتصادي الجديد، حيث جاءت هذه الدول من جميع أنحاء القارة، وهي تشمل مصر وإثيوبيا والسودان ونيجيريا وتونس وزيمبابوي والسنغال والجزائر. لقد تمّ الاعتراف بعدد من الدول الإفريقية مثل جنوب إفريقيا، الموجودة بالفعل في مجموعة “بريكس”، وأعربت نيجيريا ومصر عن رغبتهما في الانضمام، على أنها اقتصادات ناشئة في حدّ ذاتها من قبل العديد من المنظمات الدولية.
إن الدور الرئيسي لإثيوبيا في تأسيس الاتحاد الإفريقي، والتعبير عن الاهتمام بالانضمام إلى “البريكس” يدلّ على تدهور علاقاتها مع الغرب، وهي قصة تتطور في عدد متزايد من البلدان الإفريقية. في المقابل، يظهر تعزيز الصين وإفريقيا لعلاقاتهما للدول النامية أنه من الممكن والمستدام وجود تعاون متبادل المنفعة بين البلدان النامية، وأن هناك رغبة في إفريقيا لشراكات المساواة.
لا تزال العلاقات الصينية الإفريقية المستقرة، وطويلة الأجل تؤتي ثمارها بالنسبة لإفريقيا، لأن الصين هي التي طرحت لأول مرة فكرة توسيع “البريكس” لتشمل المزيد من الدول الأعضاء عندما ترأست مجموعة “البريكس” في عام 2022. منذ ذلك الحين، أعربت أكثر من 40 دولة عن رغبتها في أن تصبح عضواً في المجموعة بما في ذلك دول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، وفي هذا الإطار أكد ممثل جنوب إفريقيا لدى “بريكس” أن العدد في ازدياد.
لم تعد “البريكس” بالنسبة للبلدان الإفريقية نموذجاً بديلاً للنموذج الاقتصادي الغربي لمجموعة السبع، بل باتت تعتبر التمثيل الاقتصادي لأحلام وتطلعات إفريقيا الطموحة، حيث تسعى البلدان الإفريقية من خلال مجموعة “بريكس” إلى الانتقال من الأطراف إلى مركز صنع القرار، ورسم مسار تنمية قابل للتطبيق لشعوبها. ومع التوسّع، ستصبح “بريكس” مساحة اقتصادية أكبر وأفضل لمجتمع الجنوب العالمي، ولذلك فهي نموذج اقتصادي يعطي الأولوية للتعاون المربح للجانبين، ويقدم منافع لجميع المعنيين، تماماً مثل العلاقات الصينية الإفريقية.
شغلت الصين مكانة قوية كأكبر شريك تجاري لإفريقيا لمدة 14 عاماً متتالية، وسجلت القارة خلال هذه الفترة نمواً وتطوراً متسارعين، إن الأسباب التي تجعل “بريكس” نموذجاً إنمائياً جذاباً للدول النامية في إفريقيا هي الأسباب نفسها التي جعلت الصين شريكاً إنمائياً ذا قيمة كبيرة، فسياسة عدم التدخل في الشؤون السيادية لشركائها في التنمية هي جانب مهمّ بشكل خاص في صورة شريك التنمية الذي تحرص إفريقيا على التوافق معه.