“التحالف” و”داعش”: وجهان لعملة واحدة
أحمد حسن
خلال شهر واحد فقط –الشهر الحالي- انتهك ما يسمّى “التحالف الدولي” سلامة الرحلات الجوية في سورية 340 مرة، منها 180 مرة في منطقة التنف حيث تمر الخطوط الجوية الدولية، وفي وقت كانت هناك طائرات مدنية تحلّق في المنطقة.
وخلال الشهر ذاته كثّف تنظيم “داعش” وتيرة عملياته الإرهابية موسّعاً المجال الجغرافي لها بين درعا ومنطقة التنف وريف دمشق وريف الرقة، في محاولة لتوسيع رقعة الفوضى وعدم الاستقرار في الربوع السورية.
والحال أن الترابط بين “التنظيمين” (“التحالف” و”داعش”) لم يعُد يحتاج إلى دليل حيث أُنشئ الثاني لمنح صك الولادة وشرعية العمل للأول، بينما التزامن في ارتفاع وتيرة إجرامهما معاً ليس أقل دلالة على وحدة القرار الصادر عن المقر الرئيس في البنتاغون بتفجير الأوضاع ردّاً على ما يراه، ويلمسه، من ملامح اقتراب ساعة الحقيقة، والفعل، بينه وبين المقاومة الشعبية السورية الرافضة لوجوده الاحتلالي بالمطلق.
وبالطبع، فإن ما جرى خلال هذا الشهر هو غيضٌ من فيض هذا “التحالف المدنّس” بين الطرفين، وإذا كان إلغاء الجغرافيا السورية بكاملها يأتي على رأس أهداف “داعش”، فإن اللعب بوحدة هذه الجغرافيا وسيادة دمشق عليها – كعاصمة للمتّحد الوطنيّ والشرعيّة الدستورية في آن واحد – هو أهم أهداف “التحالف” الذي لم يتوقف يوماً واحداً عن خرق هذه السيادة – وجوده بحدّ ذاته خرق لها – ليثبت أنه، في الحقيقة، الذراع العسكرية في سورية لـ “نادي القلوب المنكسرة”، كما أطلقت صحيفة نيويورك تايمز على أعضاء قمّة “السبع الكبار” خلال اجتماعهم الأخير في مدينة هيروشيما اليابانية، وبكلمة أدقّ هو – أي “التحالف” – الغطاء “الدولي” لقوات الاحتلال الأمريكي، وبالتالي الشقيق الأصغر لـ “الناتو” باعتبار هذا الأخير الغطاء “الدولي” الأساسي لواشنطن في العالم.
وعلى غرار المهام “الكبرى” لشقيقه الأكبر “الناتو” – والتي لا يبدو لها من نهاية – فإن “التحالف” يقوم كل فترة ووفق سيناريو هوليودي كامل باستحضار وليده “داعش” سواء لاستخدامه في زعزعة الأمن السوري أم للتضحية ببعض “قادته”، الذين انتهت مهامهم، على مذبح فيلم “الحرب على الإرهاب”، دون أن يلقى أيّ ردّ من “التنظيم” لأنه يعلم جيداً أن الأول – أي “التحالف” – يفعل ذلك لضرورات التغطية على مهمّتهما الحقيقية والمشتركة وهي منع قيامة سورية واستكمالها تحرير أراضيها واستعادة مصادر ثرواتها المنهوبة، والخروج بالتالي من أزمتها المعيشية أيضاً.
بهذا المعنى، نفهم مثلاً عدم قيام “داعش” بأي عملية ضد “التحالف” رغم التجاور الجغرافي لقواعدهما “العسكرية”، كما نفهم تعامل بعض مصالح دول “التحالف” الاقتصادية – مثل شركة “لافارج” الفرنسية مع “داعش” كما اعترف بعض قادتها – وفق معادلة ليقوم كلّ منهما بعمله، أي نحن ندفع لك الأموال لتتركنا نسرق ثروات السوريين بهدوء وأمان وأنت تستمرّ بقتلهم وترويعهم دون ردع أو عقاب.
وبهذا المعنى، أيضاً، تبدو “المواجهة” معهما ضرورية وحتمية لخلاص البلاد من هذه “العملة” الرديئة بوجهيها الكالحين، “التحالف” و”داعش”، كخطوة أولى وأساسية في سبيل غدٍ آخر.