العودة الطوعية للسوريين.. تجميل لترحيل قسري
د. معن منيف سليمان
تصاعدت عمليات الترحيل بشكل ملحوظ بعد إعادة انتخاب أردوغان رئيساً لتركيا، بعدما كان اللاجئون يتوقّعون بأن الحملة الإعلامية الممنهجة ضدّهم ستتلاشى مع وجود أردوغان بالحكم. ولكن ما يبدو مفاجئاً للسوريين أن التضييق الأخير يأتي بعد انتهاء الانتخابات وتمكّن أردوغان من حسم نتائجها، لتسود حالة من الإحباط بين أوساط اللاجئين، بعد وقت من التفاؤل بانتهاء التضييق عليهم.
في الواقع إن الحملة الأخيرة تأتي استكمالاً للمرحلة السابقة ما قبل الانتخابات الرئاسية، فقد تعهّد رئيس النظام التركي في خطاب الفوز بالعمل على تقليص عدد اللاجئين في تركيا، ما يظهر أن هناك حالة من الاتفاق بين النظام والمعارضة على الانتهاء من اللاجئين، على الرغم من الخلافات المقتصرة فقط في التنفيذ، فالمعارضة تريد إنهاء هذا الملف بطريقة “عنصرية”، أما النظام فيستخدم “القوة الناعمة” في التعامل مع هذا الملف، على الرغم من أن الانتهاكات موجودة.
وهكذا يبدو أن حقيقة التخلّص من اللاجئين السوريين في تركيا، باتت أمراً واقعاً لا رجعة عنه، ولكنّ الفارق الوحيد في طريقة الخطاب الذي اتّبعه النظام الحاكم عن المُعارضة في طريقة إعادتهم لبلادهم، حيث يُسمّيها أردوغان بـ”العودة الطوعيّة”، فيما وصفتها المُعارضة بصريح العبارة، طرداً مُباشراً، ولكن الأخيرة خسرت الانتخابات الرئاسيّة، والبرلمانيّة الأخيرة، وبالتالي بات على عاتق الرئيس أردوغان الفائز بالرئاسة تطبيق ما يصفها بالعودة الطوعيّة.
ويواجه الكثير من اللاجئين الآن موجة ترحيل قسري طالت عشرات الآلاف. ففي مطلع العام 2023، أعلنت رئاسة إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية، عن ترحيل 124 ألفاً و441 مهاجراً “غير نظامي”، وذكرت أن عدد السوريين العائدين “بشكل طوعي” خلال المدّة نفسها بلغ 58 ألفاً و758 سورياً، ويؤكّد معظم المرحّلين إلى الشمال السوري أنهم يجبرون على توقيع وثائق الترحيل “الطوعي” دون موافقتهم.
هذه العودة “الطوعيّة” لا تتقاطع مع الحملات العنصريّة التي تطال اللاجئين هذه الأيّام في تركيا، حيث بدأت الشرطة التركيّة بإزالة جميع لوحات محالهم المكتوبة باللغة العربيّة، فيما تتحدّث تقارير محليّة، عن خوف السوريين من الخُروج من منازلهم، فالشرطة تُلاحق حتى اللاجئين “النظاميين” الذين يملكون حق الإقامة بغرض ترحيلهم، فيما أعلن فعليّاً وزير الخارجيّة التركي علي بردلي أن أجهزة الشرطة والأمن “زادت” عمليّات التفتيش بشأن المُهاجرين واللاجئين “غير الشرعيين”، كما تصفهم السلطات في جميع الولايات التركيّة.
اللافت أن عمليات التوقيف لم تقتصر على “المخالفين” لقوانين الحماية المؤقتة، بل ممن يصنّفون على أنهم يرتكبون مخالفات، حيث أكد شهود أن عمليات التوقيف باتت شبه عشوائية، موضحة أن “الشرطة التركية أوقفت لاجئاً سورياً في إسطنبول واقتادته إلى مركز للاحتجاز، بسبب تحدثه على الهاتف بصوت مرتفع بعض الشيء في الحافلة، على الرغم من أنه يحمل بطاقة شخصية صادرة عن ولاية إسطنبول”!.
ويرى متابعون أن هناك حالة من الفوضى والفلتان الأمني ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها في الشمال السوري، وأنه ليس هناك بيئة مناسبة لعودة اللاجئين السوريين وسط تردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وغياب شبه تام لمعظم مقومات الحياة ضمن المخيمات والمجمعات السكنية التي تأوي آلاف النازحين والمهجّرين.