ثقافةصحيفة البعث

“تجلّيات دور المرأة البنّاء في المجتمع” في محاضرة ثقافية حوارية

اللاذقية- مروان حويجة

تحت عنوان “دور المرأة البنّاء في المجتمع”، تناولت الكاتبة سونيا عدرة في محاضرة ثقافية حوارية في دار الأسد للثقافة باللاذقية، جوانب ومجالات الدور الذي تضطلع به المرأة في عملية البناء وتحصين المجتمع، واصفةً هذا الدّور بالمحوري والعميق تاريخياً، وتجلّياته في الحياة السورية، مبيّنةً أنّه على مرّ العصور وتعاقب الحضارات كان للمرأة دورٌ محوريٌ في نهضة المجتمعات مثبتةً للعالم برمّته أنّها القادرة على إحداث التغيير الإيجابي، والتأثير الفعّال من خلال حضورها اللافت في شتّى مجالات الحياة، والتعبير عن نفسها، ما حتّم على المجتمع النظر إليها برؤية أوسع لها، بما عزّز سهولة مواكبة آخر التطورات مشكّلة إحدى دعائم الطاقات المجتمعية، فقدّمت كثيرأً من العطاءات التي جعلت منها امرأة استثنائية في زمن استثنائي، واستطاعت لفت الانتباه وإثبات وجودها وتميّزها، ليكون إصرارها على المضي قدماً في طريق التغيير الطوعي دليلاً  على جدارتها وقدرتها على تحطيم الصورة النمطية التي كانت سائدة آنذاك، فبرزت عنصراً فعّالاً وشريكاً مساوياً للرجل بما قدّمته من تضحيات جسام بفلذات أكبادها، زوجها وإخوتها فقد قدمت كوكبة من الشهداء في سبيل نصرة الوطن.

وأوضحت عدرة أنّ المرأة لم تكن شريكة للرجل في النضال فحسب، وإنما شريكة له في إدارة المجتمع مشاركة إياه في مسيرة النهضة والتنمية ليبرز دورها محورياً في رفع الحسّ الوطني عند أبناء جيلها بما قدمته من مشاركة فعالة في شتى ميادين الحياة.

وحول المجالات التي حققت فيها المرأة حضورها الفاعل ودورها المؤثّر، لفتت إلى أنّه على المستوى السياسي تبوأت مكانةً مرموقةً، إذ لم يعد يخلو  مركز لصنع القرار من العنصر النسائي، ما جعلها شريكة مهمة في بناء المجتمع، وتنال حقوقها المجتمعية كاملة ليبرز دورها الاجتماعي الفعّال، فهي الأمّ الفاضلة والزوجة والأخت التي تمتّعت بمزايا تربوية جعلت منها نموذجاً يُحتذى به، وركيزةً أساسيةً لديمومة الحياة، فوجودها يعطي الدفء الأسري باعتبارها الحاضنة لجميع من حولها، والموجّهة لأبنائها ليكونوا على الطريق الصحيح، فالمرأة سواء أكانت متزوجة أم غير متزوجة لا يمكن تحقيق الاستقرار الأسري إلا من خلالها.

وأكّدت عدرة أنّ ما تطلبهُ الحياة المعاصرة يفرض على المرأة جهداً مضاعفاً ليصبح دور المرأة العربية عامة والسورية خاصة مزدوجاً يتقارب فيه الوعي الاجتماعي المتأصّل في جذور الثقافة العربية، والتي من شأنها النهوض بواقع المرأة المرهون بمدى قدرتها على مواكبة التطورات التي تنعكس على مسيرة عطائها وحياتها، وتُحسّن من قدراتها اليومية لتكون أكثر إنتاجاً وفعالية، لا بل أكثر تأثيراً وذلك بالتفكير الإيجابي والوعي الاجتماعي، ما جعل منها الدافع الرافع لعزيمة الشعوب وتعزيزها للقومية العربية في زمن تتسابق فيه القوى الإعلامية الظلامية لتشويه الهوية العربية، ومحو الذات القومية.

وأشارت إلى أنّ المرأة بدعمها للثقافة العربية تكون السدّ المنيع في وجه الانجراف وراء تيارات العولمة والزيف الاجتماعي المبطّن بالحريّات الباطلة، والتي هدفها تشويه صورة المجتمع وإفساد جيل نحن بأمسّ الحاجة إليه ليكون اللبنة الأساسية في بناء المجتمع. وأضافت: نعم لا يمكن تغيير الرؤى إلّا من خلال مشاركة المرأة وإعدادها نفسياً ومعنوياً، وذلك من خلال تغيير النظرة النمطية للمرأة وتنشئة أجيال ومجتمع يؤمن بقدرتها على التغيير بنشر الثقافة التشاركية وتعزيز الذات الجمعية التي تحتويها، فعندما تتّحد الذات الفردية والتي قوامها حبّ الآخر تشكّل ذاتاً جمعية قوامها التواصل والتفاعل المبتغى، وتكون عامل دفع لعجلة التطور في المجتمعات الراقية، فكلّ هذا جعل من دورها الثقافي أساسياً من خلال نشرها للمبادئ القيمية المفعمة بالأخلاق السامية، معتمدةً على مؤهلاتها العلمية والثقافية، فكانت الكاتبة والأديبة الباحثة عن الحقيقة في ثنايا الحياة بما تعلّمته، وما ستعلّمه للأجيال ليبرز دورها التعليمي والأكاديمي والذي يعكس صورة المرأة السورية القوية المتمسّكة بالعزيمة والإصرار على النجاح لتحجز لنفسها مكاناً مرموقاً في المؤتمرات والمواقع المختصة بالبحث العلمي على مستوى العالم، فقد ساهمت بتطوير الأسس التعليمية كونها امتهنت التدريس بحرفيّة عالية معتبرة أن أبناء هذا الجيل هم أبناؤها.

وأوضحت الكاتبة عدرة أنّ المرأة احرزت تقدّماً كبيراً في المجال العلمي، حيث  التاريخ حافلٌ بالشواهد التي تثبت حضورها العلمي وقدرتها على إثباتِ الذات، وهذا كلّه استوجب من المرأةِ العمل المتواصل على تطوير مهاراتها ليكون عملها سراً من أسرار صمودها، فكانت الوزيرة والمديرة، والموظفة، والعاملة لتتبوأ مركزاً ومكانة عظيمة في المجتمع السوري انطلاقاً من أنه بالعلم وحده تتطور الحضارات، وترتقي الأمم وتزدهر الشعوب، لتكون السيدة الأولى هي القدوة والمثال لكل نساء سورية في العمل والعطاء وحبّ الوطن، وتجسيد هذا الحبّ علماً وعملاً وإنتاجاً وإبداعاً وتميّزاً.

وإيماناً منها بأهمية تعزيز وتفعيل دور المرأة في المجتمع، خصّصت السيدة الأولى أسماء الأسد وقتاً واهتماماً كبيرين لدور المرأة السورية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من مجالات، وإدراكاً منها لحجم دورها الاجتماعي وجّهت جزءاً كبيراً من جهودها لقطاع الطفولة والأسرة من خلال دعمهم مادياً وعلمياً ومعنوياً، فمشاركة المرأة في معترك الحياة السياسية هو في خدمة الصالح العام، وباعتبارها جزءاً لا يتجزأ من هذا المجتمع فإن وجودها يشكل قوة ديناميكية داعمة لعملية التطوير، بما يضمن لها الاستمرارية بعدالة اجتماعية، فتقدّم المجتمع مرتبط بتقدم المرأة.

فقد كرمها القائد المؤسّس حافظ الأسد طيب الله ثراه، حيث خصّص الواحد والعشرين 21 من آذار من كل عام عيداً وطنياً ورسمياً للأم في سورية، وتعاظم وتعزّز هذا التكريم وهذا الاهتمام وتعمّق في ظل قيادة السيد الرئيس بشار الأسد، حيث أثبتت المرأة السورية خلال سنوات الحرب الظالمة أنّها من خنساوات هذا العصر، والتي جسّدت أقدس معاني الصمود والوطنية صوناً ودفاعاً عن كرامة هذا الوطن.

وختمت عدرة أنّه من المفيد التأكيد على أهمية المرأة وتمكينها مجتمعياً للاستفادة من كامل قدراتها لتحقيق التنمية المجتمعية المستدامة، والذي يقع على عاتق المرأة من خلال هذه المشاركة المجتمعية لما يكفل حقوقها وتتكامل فيها الأدوار المتاحة لها، فتحقيق التكامل الاجتماعي لا يمكن إلا من خلال تمكين المرأة مجتمعياً وذلك بإشراكها في اتخاذ القرارات التي تصبّ في خدمة الوطن لتصبح رسالتها التنموية في المقام الأول عبر تمكينها وفق أسس ممنهجة مدروسة يرتقي من سويّتها فتصبح قادرة على إحداث التغيير بتعزيز قدراتها اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وتنموياً لتعزّز المرأة دورها المحوري في المجتمع.

شهدت المحاضرة نقاشات حوارية حول تجلّيات دور المرأة، وآفاقه في ظلّ الواقع الراهن، وتسارع المستجدات العلمية والثقافية والحياتية، وأهم الرؤى والمقترحات لتعزيز دور المرأة.