الانتقالات الصيفية بين ضخ المال وفكر الاحتراف الأعوج.. مستقبل مجهول ينتظر مسابقاتنا واتحاد كرة القدم في موقف المتفرج
البعث الأسبوعية- ناصر النجار
بدأ الأسبوع الماضي بشكل رسمي الموسم الكروي الجديد عبر الانتقالات التي أعلنتها بعض الأندية، مع العلم أن الموسم الجديد من المفترض أن يعلن مع المؤتمر السنوي الذي سيعقد في السادس من آب الجاري، واستعجال بعض الأندية بالتعاقد مع لاعبين من هنا وهناك يأتي من باب فرض العملية على اتحاد كرة القدم لأنه قد يصدر في المؤتمر قرارات تتعارض مع ما يجري على صعيد الانتقالات وما ينوي اتحاد كرة القدم إقراره للموسم الجديد.
بيد أن المطلعين على خفايا الأمور لم يبدو أي حذر من الخطوات التي تقوم بها الأندية لقناعتهم ألا جديد في الموسم القادم وسيبقى كل شيء على وضعه الحالي.
اتحاد كرة القدم أغرقنا بتصريحاته عبر العديد من أعضائه الذين كانوا ينتهزون فرص الظهور على الشاشات ليعلنوا أن القرارات القادمة ستحد من غول المال في الاحتراف، ومن هذه القرارات المزمع إصدارها منع وجود أكثر من ثلاثة لاعبين فوق الثلاثين من العمر في الفرق، ومنع التعاقد مع أكثر من سبعة لاعبين من خارج النادي، ومنح الفرص للاعبي تحت 23 سنة ليكونوا أكثر اللاعبين وجوداً بالفريق الواحد.
لكن حتى الآن لم يصدر ما يوحي بشيء من هذا القبيل لأنه لو كان اتحاد كرة القدم ينوي إصدار أي شيء في هذا الخصوص لصدر مسبقاً أو إنه أعلن اعتراضه على موضوع التعاقدات من أول عقد أعلن عنه، ومن غير المنطقي بعد إعلان العقود أن يصدر اتحاد كرة القدم قراراً مخالفاً فيربك الدوري والأندية معاً ويدخلها في دوامة!
وعلى هذا الأساس فإن الدوري الكروي القادم وبقية المسابقات ستجري على نهج السنوات السابقة دون أي تغيير وهذا الأمر يضع كرتنا في (محلك سر) لأن مسابقاتنا المحلية تحتاج إلى تغيير جذري وموضوع العائق المالي يجب أن يجد له القائمون على كرتنا حلاً، فالنادي غير القادر على مصاريف الاحتراف فليعتمد الهواية وهو أمر ليس عيباً، وعليه أن يتجه نحو موضوع رعاية المواهب والخامات وهو أفضل من الصرف على كرة لا تنتج خيراً ولا تحقق مستوى ولا تدفع كرتنا نحو الأمام خطوة.
وكذلك موضوع فئة الشباب والدرجة الأولى، هما أمران مهمان لأنهما يساعدان على تطوير كرة القدم وهم مخزونها وصندوقها الأسود وفيهما كلمة سر النجاح والتطوير في كرة القدم، لكن اتباع الأسلوب ذاته في دوري الموسم المقبل لا يفيد بل يضر الأندية خصوصاً وكرتنا عموماً وفي ذلك أسباب وجيهة لا تخفى عن اي عاقل كروي وهي:
دوري الشباب على سبيل المثال يجب أن يعود بشكل كامل دون توزيع فرقه على مجموعتين لخفض النفقات، علينا أن ننظر إلى هذا الدوري على أنه الرافد الحقيقي لكرتنا ويجب أن ينال حقه الكامل من اللعب والمنافسة، فاللاعب إذا لم يلعب في الموسم الواحد أكثر من أربعين مباراة سيبقى بحاجة إلى جرعات إضافية ليقوى عوده ويكتمل نضوجه الفكري والبدني والفني، وببضعة مباريات لن يصل لاعبونا الشباب إلى المستوى المطلوب وبالتالي ستبقى كرتنا ضعيفة لأن لاعبينا الشباب ليسوا على قدر كاف من التأهيل والصقل في هذا السن الحيوي.
أيضاً موضوع فرق الدرجة الأولى الذي يتواجد فيه 24 فريقاً، والكثير من هذه الفرق لا تملك مقومات كرة القدم، لكن السؤال: لماذا هذا العدد إذا كنا غير قادرين على إقامة دوري مناسب لهذه الدرجة، وهل يعقل أن عشر مباريات في الموسم الواحد مناسب للدوري وفرقه؟
بطبيعة الحالي إما أن يصبح الدوري على مجموعتين أو أن يختصر العدد فيصبح على مجموعة واحدة كدوري الدرجة الممتازة وهو أسلوب أفضل للدوري والأندية، فالأندية غير القادرة على دفع تكاليف الدوري وتهيئة فرقها بشكل جيد عليها أن تلتزم بدوري المحافظة حتى تستقيم أمورها وتصبح قادرة على الوجود بدوري الدرجة الأولى.
اتحاد كرة القدم مضغوط بمسائل عديدة فعليه العمل على تطوير كرة القدم والعناية بالمنتخبات الوطنية وإقامة النشاطات بمختلف الدرجات والفئات، فضلاً عن المشاريع الأخرى كدورات المدربين والحكام والإداريين والمراقبين وأخيراً وليس آخراً مشروع تطوير الفئات العمرية وغير ذلك.
من هذه التفاصيل والجزئيات على اتحاد كرة القدم أن يتنحى عن موضوع المسابقات ويدع العمل فيها لغيره، فلا بد من إنشاء رابطة لكل دوري مهمتها دراسة واقع هذا الدوري ومتابعة كل تفاصيله وأعماله وإزالة العقبات والعثرات التي تعترضه والعمل على تطوير الدوري، في كل دول العالم نسمع برابطة دوري المحترفين، هذه الرابطة نحن نحتاجها بالدوري ويجب أن يتم تشكيلها بأسرع ما يمكن من خبراء الكرة الاختصاصيين المشهود لهم وليس بالضرورة أن يكون أعضاؤها ممثلون عن الأندية المحترفة، الموضوع يجب ان يحسم ويجب أن توزع الأندية إلى قسمين واحد محترف وقادر على تطبيق شروط الاحتراف وآخر هاو يضم أندية الهواة، ودوري المحترفين يجب أن يكون غير محدد بالعدد، فإن كان المحترفون عشرة فالدوري يقوم عليهم وإن كانوا أكثر فالأمر كذلك، وإذا تأهل نادٍ من الدرجة الأدنى إلى دوري المحترفين ولا تنطبق عليه شروط الاحتراف فليس شرطاً أن ينضم إلى الدوري الممتاز قبل أن يحقق هذه الشروط، مثل هذه الخطوة مهمة وهي ترفع من قيمة الدوري ومن مستواه ومستوى الأندية.
وبالتوازي علينا إعادة دراسة قانون الاحتراف وتعديله بما يتوافق مع النظم العالمية وبالطريقة المناسبة لكرتنا وأنديتنا.
المواهب والخامات
الملاحظة التي نسجلها على فرق الدوري كلها أنها تمارس كرة القدم دون منهجية وبغياب كل فكر استراتيجي، وهذا الكلام ينطبق على العديد من فرق الدرجة الممتازة وكل فرق الدرجة الأولى وغيرها بلا استثناء.
لذلك نلاحظ أن أغلب الفرق تستعين بلاعبين أكل عليهم الزمن وشرب لتستكمل صفوفها، وقد تضطر بعض فرق الدرجة الأولى لتتعاقد مع لاعبي فرق الأحياء الشعبية وهو أمر واقع، قد تكون الخطة البديلة بالعناية باللاعبين الموهوبين والشباب والخامات كحل جيد لتأسيس كرة القدم في هذه الأندية دون الحاجة إلى لاعبين من هنا وهناك.
لاعبو الدوري كما نلاحظ يتنقلون مع كل موسم من ناد لآخر ولا نرى من اللاعبين الجدد إلا ما ندر لدرجة أن الدوري أصبح دوري عواجيز لكبر سن اللاعبين دون أن نجد البدلاء المناسبين، وأما العوز والفقر المالي والعجز الذي أعلنت عنه إدارات الأندية فإن التوجه إلى الخامات والمواهب والشباب هو الحل الأمثل والجيد لإعادة بناء الكرة والدوري والأندية معاً وفيه توفير للنفقات الباهظة التي تصرف بلا أي طائل، ولنا في ذلك أمثلة عديدة ومنها:
نادي حطين لا يملك المال الذي يجعله قادراً على شراء اللاعبين المميزين من هنا ومن هناك، لينافس الكبار على مراكز الصدارة ويبتعد عن مواقع الهبوط، وكما لاحظنا أنه في الموسمين الأخيرين نجا من الهبوط في الأمتار الأخيرة، سياسة النادي تبادر إلى شراء بعض اللاعبين القادر على تحمل نفقاتهم وقد يكون هؤلاء اللاعبون قد انتهت صلاحية البعض منهم أو إنهم من صنف اللاعبين العاديين، ونجد أن هؤلاء اللاعبين لم يحققوا للنادي ما يريد وينجو من الهبوط بقدرة قادر، ولو أن النادي وفر النفقات واعتمد على أبناء النادي فلن يحقق على مستوى النتائج أسوأ مما حققه في الموسمين الماضيين، لكنه سيستفيد من خلال رعايته لأبناء النادي وتطوير موهبة الشباب والخامات وسيعود قوياً ومصدراً للاعبين ويصبح بالتالي منتجاً بكرة القدم لا مستهلكاً فيها.
فريق أهلي حلب ينطبق عليه المقولة ذاتها وخصوصاً أنه يملك من المواهب بكل الفئات الكثير والتعاقد مع لاعبين من خارج النادي لم يجن منه إلا الدين والعجز والإفلاس ولم يحقق بهذه التعاقدات بطولة الدوري ولم ينل بطولة الكأس.
والصورة تبدو أكثر وضوحاً في الدرجة الأولى فأغلب فرق هذا الدوري تعتبر تأهلها إليه أو وجودها به انجازاً لفريقها دون أن تقدم لكرة القدم شيئاً أو تقدم كرة القدم لها شيئاً!
أغلب الأندية في هذا الدوري تعتمد على لاعبين من الأندية الأخرى على مبدأ الإعارة أو بعض اللاعبين الذين لم يجدوا مكاناً في دوري الدرجة الممتازة وقد انتهت صلاحيتهم الكروية، ولدينا معلومات موثقة عن بعض الأندية التي تنتقي لاعبين من فرق الأحياء الشعبية لتستكمل صفوفها وهذه الحالات مثبتة.
ما الفائدة؟
فريق معضمية الشام على سبيل المثال لا يملك فريقاً من أبناء البلدة، وأغلب لاعبيه من أندية أخرى على المبدأ نفسه الذي تحدثنا عنه، وحتى الآن يسعى هذا النادي للبقاء بالدوري ولم يقدم نفسه كمنافس في أي مجموعة من مجموعات الدوري في كل المواسم السابقة وهمه البقاء، وهذا الموسم بقي في الدوري لأن مجموعته حسم فيها الهبوط بانسحاب الشعلة ولم يحقق أي فوز ولم يخرج ببصمة واحدة، لذلك نصيحتنا لهذا النادي ومن في مثله أن اجتهدوا برعاية المواهب والشباب واعملوا على تأهيل اللاعبين وهذا خير لكم من دخول دوري لا فائدة منه سوى هدر المال، وعندما تعتمد هذه الأندية في برامجها على رعاية المواهب فإنها ستخدم الكرة الوطنية وستخدم نفسها وستصبح بعد فترة منتجة لهذه المواهب ومصدرة لها وهي أهم من العمل السلبي الذي تقوم به الآن، وهناك الكثير من الأندية في الدول العربية وفي العالم مهمتها رعاية المواهب وتصديرها وهي بهذه الحالة تستفيد فنياً ومالياً والباب في هذا المجال واسع، ولولا أنه مربح تجارياً لما وجدنا الأكاديميات الخاصة تلهث وراء الحصول على التراخيص، فالبذرة التي تزرعها اليوم ستجد نتيجتها غداً بكل تأكيد.
جولة سريعة
الجولة السريعة التي نقوم بها الآن تنظر إلى العديد من الأندية بعين الحزن والأسى إلى ما وصلت إليه من ظروف وأحوال صعبة مع حيث ترزح تحت وطأة العوز والفقر والإفلاس والديون الكبيرة، وكل ذلك نتيجة الاحتراف الأعمى والخط الأعوج التي تسير عليه كرتنا، فلا يوجد ثوابت حقيقية تقوم عليه الأندية وخصوصاً جهة المدخول المالي ولا يوجد ضوابط للصرف والانفاق، فأغلب أنديتنا اليوم مديونة وها هو نادي أهلي حلب وهو من أهم أنديتنا وأكبرها مفلس ومديون (كما قيل) بمليارات كثيرة وعليه التزمات مالية للاعبيه المحترفين وصلت حدود الفيفا، وأندية الكرامة والوثبة والطليعة بلا إدارات بعد أن استقال الكثير من أعضاء إداراتها لأسباب مالية، أما نادي جبلة فهو يعيش في حيرة كبيرة بعد ان وجد نفسه يحارب الفقر على شواطئ النسيان، والحرية قد لا يستطيع دخول الدوري الممتاز للأسباب السابقة، والغموض يسود نادي حطين.
أحوال صعبة ومستقبل ضبابي ينتظر الدوري الممتاز القادم ودون تدخل مسؤول فالدوري سيسير عكس التيار ولن نتقدم فيه أي خطوة واحدة نحو الأمام.