“العرّاب” والاستجرار إلى عالم الجريمة في جلسة النادي السينمائي
ملده شويكاني
“إذا كان عدوك قوياً، فالانتقام يحتاج إلى وقت أطول”، هذا ما قاله مايكل الابن الأصغر للعرّاب، الذي تقوده الأقدار للاستجرار إلى عالم الجريمة في الوقت الذي يكون فيه بعيداً يعمل على بناء عالم آخر.
ويشغل فيلم العرّاب -إخراج وسيناريو فرانسيس فورد كوبولا- الذي صدر عام 1972 المركز الثاني بين قائمة أهم الأفلام الأمريكية عبْر سلسلة تمتد لثلاثة أجزاء. وقد عُرض في جلسة النادي السينمائي لمؤسسة أحفاد عشتار بالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما -وزارة الثقافة- في سينما الكندي، بإشراف المخرج وليم عبد الله.
يتناول الفيلم قصة المافيا الإيطالية الموجودة في نيويورك، وهو مقتبس عن رواية تحمل الاسم ذاته للكاتب ماريو بوزو، فتميز بالسرد الروائي وبتقنيات السينما والانتقال بين الأمكنة والأحداث على مدى قرابة ثلاث ساعات.
ينجح المخرج خلالها بشدّ المشاهد ليس فقط إلى عالم الرعب وتنفيذ الجرائم بطريقة وحشية والتعمق بتفاصيل عمل المافيا واجتماعاتهم المغلقة، وإنما إلى الجانب الإنساني بالتركيز على أهمية وجود العائلة في الحياة.
الإضاءة والاجتماعات
يعتمد المخرج على فنية الإضاءة، فتشغل عنصراً مهماً يشارك بالحدث والحوار، ولاسيما في الاجتماعات بين أعضاء المافيا، ويبدو السرد الروائي ليس بحوارات فيتو فقط، وإنما بتركيز المخرج على الشخصيات المحورية بالفيلم لأفراد عائلة فيتو كورليوني.
يستمر الزمن الفعلي للفيلم على مدى عشر سنوات ابتداءً من عام 1945 حتى عام 1955 بوفاة زعيم المافيا فيتو وتزعم مايكل -آل باتشينو- المافيا بعد النيل من أعدائه وأخذه بثأر أخيه.
الاحتفال والجريمة
يُبنى الفيلم على الصراع بين العائلات الخمس المتصارعة، فيضعنا المخرج منذ المشهد الأول بعالم الجريمة، إذ يأتي سالازو إيطالي الأصل، ليقابل فيتو في مكتبه في قصره في الوقت الذي تحتفل فيه العائلة بحفل زفاف ابنته كوني، فتنتقل الكاميرا بين الحوار الدائر بالمكتب وحفل الزفاف والرقص والفرح وحركة الأطفال.
ويطلب سالازو مساعدة فيتو العرّاب –مارلون براندو- الذي يرتبط بعلاقات قوية مع السياسيين والاقتصاديين بالانتقام من الرجلين اللذين غرّرا بابنته وقاما بضربها بعنف وتشويه وجهها: “كانت فتاة جميلة، لقد خسرت جمالها إلى الأبد” بعد أن حكمت المحكمة عليهما بالسجن ثلاث سنوات مع إيقاف التنفيذ، وأطلق سراحهما في اليوم ذاته.
يوافق فيتو على مساعدته، ومن ثم يبدأ الخلاف بين فيتو والعائلات الخمس لرفضه حمايتهم من صفقات الاتجار المخدرات، كونه يعمل بإطار القمار ضمن المقاهي الليلية التابعة له، ولا يريد الدخول مع السياسيين بخلاف، ويتصاعد الخلاف بعد رفضه التعاون مع الرجل التركي.
محاولة قتل
تتتالى سلسلة الجرائم بأجواء مرعبة ابتداءً من مشهد مدير الاستديو الذي يرفض إعطاء الدور بالفيلم لجوني المقرّب من فيتو، ليستيقظ وسط بركة من الدم وتحت الغطاء رأس حصانه المقطوع. ثم يطلق أعداء فيتو خمس رصاصات عليه وهو يتجوّل مع حراسه بسوق الخضار، إلا أنه لم يمت.
يتابع مايكل حماية والده بالمشفى بنقله إلى غرفة أخرى وإحباط محاولة قتله مرة ثانية، ثم يقتل مايكل المتآمرين على والده ويهرب إلى جزيرة صقيلية في إيطاليا. إلا أن الانتقام يلاحقه فلا يستطيع إنقاذ زوجته اليونانية من حادثة تفجير سيارته.
يعود إلى أمريكا ويعمل على نقل أعمال العائلة إلى لاس فيغاس، بعد أن نصب كمين لأخيه سوني وقتل بعنف بتصويب الرشاشات عليه بالطريق.
انتقام مايكل
في القسم الثاني من الفيلم يركز المخرج على انتقام مايكل من أعدائه، وموافقته على الاجتماع معهم في مطعم بإضاءة خافتة دون حمله السلاح، في الوقت الذي يتفق فيه مع مساعده على تخبئة المسدس في الحمام، ومن ثم تنفيذ مايكل عملية القتل.
موت فيتو
تتدهور صحة فيتو الأب الروحي بعد موافقته على حماية المافيا بالاتجار بالمخدرات شريطة عدم وصولها للأطفال وطلاب المدارس، ليأتي المشهد المثير حينما يكون بحديقة منزله مع حفيده الصغير ابن مايكل من زوجته الثانية فيسقط بين الأشجار إثر تعرضه لأزمة قلبية.
لقطات متداخلة
وينتهي الفيلم بمشهد متداخل بين تعميد مايكل ابن أخته كوني في الكنيسة وسط فرح العائلة، وبين انتقال الكاميرا إلى تنفيذ سلسلة من الجرائم التي خطّط لها. فيقضي على عدوه بارزيني، وعلى صاحب المقهى الليلي الذي رفض البيع، وعلى صهره زوج كوني الذي كان يضربها ويخونها وهو الخائن الذي أبلغ أعداء العائلة بموعد مجيء سوني، فيطلب منه مايكل السفر بعيداً، وفي السيارة تنفذ الجريمة بكسر عنقه، لينتهي الجزء الأول بتسيد مايكل عصابات المافيا.
تدعيم القبح بالجمال
ولتأخر الوقت اقتصرت الجلسة على العرض دون المناقشة، وأوضح المخرج وليم عبد الله في حديثه لـ”البعث” أن المخرج عمل على تدعيم القبح بالجمال بالتخفيف من وطأة العنف والجريمة منذ البداية بتداخل المشاهد بين حفل الزفاف الذي يعدّ بداية حياة وبين اجتماعات المافيا والتخطيط لتنفيذ الجرائم بنهاية الحياة، إضافة إلى وجود الأطفال الذين يمثلون الفرح والبراءة.
كما عمل على التركيز على دور العائلة الإيجابي في الحياة في مشاهد كثيرة وحوارات، فرغم أن المافيا يعيشون حياتهم الخاصة بأجواء عائلية، لكن في النهاية تفوز الجريمة التي تشتت العائلة. وحلّل شخصية مايكل الذي كان محيّداً عن عالم الجريمة ويرفض الانضمام إلى المافيا، إلا أنه يضطر إلى ذلك، فيستجره عالم الجريمة إلى الانتقام، ومن ثم إلى إدارة أعمال العائلة وتنفيذ سلسلة الجرائم.
وتابع عن أهمية دور الثقافة بالتوعية من خلال السينما للحفاظ على وحدة المجتمع ومواجهة كلّ الأوضاع الصعبة التي نعاني منها.